ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

الأربعاء، 28 مايو 2014

ألك والدة ؟


           جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو في حلقة درسه، وقال: "يا ابن عم رسول الله، إنني أحببت إمرأة، فخطبتها، فرفضتني، ثم خطبها غيري فقبلت، فأدركني حنكة عليها، فقتلتها... فهل لي من توبة...؟" فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: "ألك والدة....؟" قال: "لا ... أمي ماتت..." قال: " يا ابن أخي تب إلى الله ... واستغفر وأكثر من الأعمال الصالحة..." ثم خرج الرجل من عنده... فجاء عطاء رحمه الله أحد تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما .... فقال: "يا ابن عم رسول الله... أراك سألت الرجل عن أمه...؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "والله لا أعلم عملا أحب إلى الله من بر الوالدة...."

الاثنين، 26 مايو 2014

ثقافة الاعتذار من أخلاقيات المسلم




(بقلم الأخ: محمدعلي الوافي، الباحث بمركز الدراسات العربية والإفريقية / جامعة جوهرلال نهروــ نيودلهي)


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد.
إنَّ الاعتذار مظهر حضاريّ، يدلّ على احترام الإنسانِ لنفسهِ، وتقديره لغيرِهِ، فلاَ ينبغِي لعاقلٍ أَنْ يتعالَى عنْهُ، لأنه من شيم الكبار، وخلقٌ من أخلاق الأقوياء، وعلامةٌ من علامات الثقة بالنفس التي لا يتِّصف بها إلا الكبار الذين لديهم القدرة على مواجهة الآخرين بكل قوةٍ وشجاعة وأدب. فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أعقل النّاس أعذرهم لهم"[1].
معنى الكلمة
اعتذر فلان: صار ذا عذر، وــ إليه: طلب قبول معذرته. ويقال اعتذر من ذنبه، واعتذر عن فعله: تنصل واحتج لنفسه. وـــ فلان صار ذا عذر. وـــ من فلان: شكاه. وــ العمامة: أرخى لها عذبتين من خلف[2].
الاعتذار من الأخلاقية النبوية:
ولقد قدم إله الكون عزوجل حياة الأنبياء والرسل قدوة لمن يتبعونهم من المسلمين، ولم يدع الباري سبحانه مرافق حياتهم فيها صورة من صور، حري أن يقتدى بها، إلا وصوّرها في أروع صورة وحض على اتباعها. وكذلك ذكر القرآن الكريم أمثلة كثيرة لاعتذاراتِ الأنبياءِ والرسلِ واستغفارهم وتوبتهم لله تعالى، وهم أرفع الناس مقاما، وأعلاهم درجة، ترسيخا لهذا السلوك العظيم في قلوب المؤمنين.
 ها هوذا نبي الله آدم وزوجه حواء عليهما السلام يعتذران لربّهما جل وعل، قال تعالى حكاية عنهما: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[3] فقبل الله اعتذارهما، وتاب عليهما، قال سبحانه: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[4] واعتذر نبي الله نوح عليه السلام لربه، وطلب المغفرة منه تعالى فقال: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[5] كما اعتذر نبي الله موسى عليه السلام لربه وطلب المغفرة منه تعالى قائلا: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[6] واعتذر نبي الله يونس عليه السلام لربه وهو في بطن الحوت، فقال]لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[7]
وأشار القرآن الكريم إلى خبر الصحابي الكفيف عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، إذ جاء غلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله علمني، وكان معى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد من كفار قريش يدعوهم للإسلام، ويرجو بإسلامهم خيرا كثيرا، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم التمهل حتى يفرغ من سادة قريش، فألح عبد الله، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل الله سبحانه عليه: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى[8] فكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما لقيه قال له:" مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي"[9].
ومن أروع الأمثال عن سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها تراجعه عما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير نخل قوم، فأشار بعدم تأبيرها. ثم قال بعد ذلك:"إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدّثتكم عن اللَه شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عزوجل"[10]
مكانته في الدين:
فإن ما يقابله في الثقافة والتربية الإسلامية هو"التوبة" باعتبارها مصطلحا إيمانيا مرتبط بالمعاصي أو التقصير في حق المولى عز وجل، إلا أنها تشمل مصطلحات الاعتذار المتعلقة بحق الناس والمجتمع، وتشمل شرط الندم على المعصية والمراجعة الذاتية والاعتراف بالخطأ والإقرار به، والرجوع عنه. وإذا كان الاعتذار بهذا المعنى تصرف نبيل وكريم وحسن وله كل هذه عواقب الطيبة والنتائج الحسنة على الفرد والمجتمع، فإن الأنبل منه والأحسن أن نحذر من الوقوع فيما يجعلنا مضطرين إليه، نتحاشى ما أمكن، الوقوع في الخطأ،
كما أوصى بذلك المربي الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا[11] "فإن زلت قدمك مرة فإنه"لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة". ولاشك أن كل أقدام بني البشر معرضة للزلل وكل النفوس مهيأة للعتر، وليس بينهم معصوم إلا الأنبياء، وهي حقيقة ثانية في التصور الإسلامي. الكل يخطئ ويصيب، وخيرهم من يعترف بخطئه، ويقر به، ويعتذر عنه، ويعمل على إصلاحه، بدليل الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة دالة على المبالغة لكثرة الوقوع فيه:"كل بن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون[12]" وفي حديث آخر"المؤمن رجاع" أي يرجع إلى الحق إذا تبين له وجهه. لأن الله سبحانه وتعالى يغفر الأخطاء والذنوب كلها لقوله تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[13]" ولقوله سبحانه "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"[14]، والخطأ الوحيد الذي لا يغتفر هو الشرك بالله "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا"[15].
لماذا الاعتذار؟
والجواب لهذا السؤال جلي فيما ذكر من الأمثلة، لأن المسلمين مأمورون بقدوة أنبيائهم، وهؤلاء مع علوّ مكانتهم في الدين لم يتسهالوا في شأن الاعتذار، والمعتذرون إنما يعترفون لغيرهم حقوقهم ومكانتهم الإنسانية، لأن النفس الإنسانية هي أمارة بالسوء، وهي أكثر عرضا للوقوع في المناهي والشبهات، فالمؤمن لا يكون مؤمنا إلا إذا طلب العذر والتسامح ممن وقعت عليهم عثراته. وإليه يشير قول التابعي الجليل عبد الله بن المبارك رحمه الله، حيث قال"المؤمن طالب عذر إخوانه، والمنافق طالب عثراتهم"[16]
والناس على ثلاثة أنواع:
ينقسم الناس في تقديم اعتذارهم الى ثلاثة أصناف:
الأول: هم المعتذرون بالسرعة، لأنهم يقومون بمراجعة النفس مباشرة عند وقوع الخطأ الغير مقصود أو السلوك السلبي عند حالة الغضب، وهؤلاء هم أفضل درجة مما سواه، لأنه لاتمنعهم عزة النفس والمكابرة عن القيام بطلب العذر.
الثاني: هم المعتذرون بعد مراجعة النفس بعد تأخر ما، لأن المخطأ بعد أن يقضي حالة مراجعة للموقف ومحاكاة النفس، حيث تلومه نسفه اللوامة بما قام بها من العثرات، وقد يبدى اعتذارا رسميا أو يدبر موقفا غير مباشر ليبين رغبته في تصحيح سلوكه، ومع ذلك يجتهد أن يلمز إلى خطإ أخيه.
الثالث هم الذين نراهم في مجتمعاتنا، وهؤلاء يدركون تماما لحجم أخطاءهم، لكنهم يكابرون ويتعنتون على الحق ويمتنعون عن الاعتذار، ونراهم يبرّرون مواقفهم. والنوع الثالث من الناس يعانون من ضعف الشخصية ، وعدم القدرة على مواجهة المواقف ، ونستطيع أن نصفهم  بـ ” المغرورين ”
فوائد الاعتذار:
الأول: إن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه يشكل رادعا للإنسان عن تكراره، لأن الإقدام على هذه الخطوة يكتنفها ضغط وعناء نفسي، فليس سهلا على الإنسان أن يقف موقف الإقرار والاعتذار من الآخرين، فهو نوع من العقوبة الاختيارية التي يفرضها الإنسان على نفسه، مما يخلق لديه حساسية وحذرا من الوقوع في حالة مشابهة، ويجعله يعيد النظر في الأسباب والعوامل التي أوقعته في الخطأ، وذلك سبيل لإصلاح النفس ومعالجة سلبيات السلوك. بعكس ما إذا مرّ الإنسان على خطئه مرور الكرام، ولم يشعر بأي مضاعفات أو نتائج مؤذية، فقد يستهين بالأخطاء حينئذ، ويستسهل ارتكابها.
الثاني: وهو محاولة لإصلاح الخلل الذي أحدثه الخطأ، وتدارك مضاعفاته على الآخرين، كما يشكل نوعا من إعادة الاعتبار لمن وقعت عليه الإساءة، وأداء لحقه. وقد ثبت في الحديث "الاعتراف يهدم الاقتراف"[17].
الثالث: والاعتذار ينـزع فتيل الغضب من نفس الطرف الآخر، ويطفئ نار العداوة، ويحتوي الأزمة والتشنج. إن أكثر النزاعات والخصومات المترتبة على تصرفات خاطئة يمكن حلها وتجاوزها عن طريق كلمة اعتذار رقيقة، تشيع في نفس الطرف الآخر الرضا، وتشعره بإعادة الاعتبار.
الرابع: ولا يسود هذا الخلق الحضاري الرفيع إلا عبر المبادرة لممارسته من قبل الواعين الناضجين، إن التزام أي فرد به وخاصة إذا كان في منصب رفيع، يشجع الآخرين من حوله على التخلق به، فإذا رأى الأبناء شجاعة أبيهم في الاعتذار إليهم عن زلل صدر منه تجاههم، فإنهم سيقتدون به في تعاملهم مع الآخرين. وإن كل من يتمنى ويرغب أن يتعامل معه الآخرون بهذا الأسلوب المريح، عليه أن يبادر هو بانتهاجه مع الآخرين، ليترسخ كمبدأ في العلاقات الاجتماعية، وكقيمة أخلاقية سامية.
الخامس: الفوز برضوان الله والأمن من عقابه يوم القيامة، وذلك بالتخلص من حقوق الناس وظلاماتهم، حيث تؤكد النصوص الدينية، أن الله تعالى لا يتساهل في حقوق الناس على بعضهم البعض، كما روي عن رسول الله : "أما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة"[18]. وتشير عدة أحاديث مروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم،  إلى أن أصحاب المظالم والحقوق يأخذون من حسنات الإنسان يوم القيامة، حتى إذا انتهت كل حسناته توضع عليه من سيئاتهم مقابل حقوقهم عليه. إن بإمكان الإنسان أن يتخلص من كثير من الظلامات عبر لحظة اعتراف، وكلمة اعتذار، فيوفر على نفسه العناء والعذاب الشديد يوم القيامة.
الاعتذار وتطبيقه في الأسرة المسلمة:
يعد الاعتذار أحد السلوكيات الإيجابية التي يجب تطبيقها في الأسرة المسلمة لينتشر الحب بين أفرادها، إذ يعمل الاعتذار على مد جسور الثقة والتعاون التي هدمت بسبب احدى التصرفات السيئة أو غير المقبولة التي يقوم بها أعضاء الأسرة، فما أجمل أَن تنتشر ثقافة الاعتذار في بيوتنا، ولو طبق نحن المسلمين هذه الشيمة الحضارية بعزم ونية صادقة في أسرتنا، لداوى القلوب المكسورة والكرامة المجروحة، ولأصلح العلاقات المتصدعة، ولأذاب الغضب المتحكم في الأفئدة. وعلى كبار العائلة، سيّما على الأبوين أن يكونا قدوة لأولادهما في الاعتذار والعفو والتسامح، والحبّ والتصالح.

الاعتذار وأثره في العلاقة الزوجية:
فلماذا غابت مفردات الاعتذار من معاجم الأزواج؟ مع أنها أطيب للقلب، وأدعى إلى وطد العلاقة الزوجية، ولماذا يشعر كلا الطرفين دائما أنه هو على الحق والآخر على الخطأ؟ وإذا كان الاعتذار يعد مطلبا لدوام أية علاقة، فما بال العلاقات الزوجية التي تنمو وتقوى بالمودة والرحمة والتسامح، فعلى كلا الزوجين ألا يقف لصاحبه بالمرصاد ليتصيد أخطاءه وتقصيراته، ولو بدر من أحدهما ما يدعو للاعتذار، وسرعان ما يطبقان هذه الشيمة العظيمة في علاقتهما فيعتذر الزوج لزوجته، وتعتذرَ الزوجة لزوجها، وذلك بكلمة تبعث في نفس الطرف الآخر الرضا والقرار، وتشعره بإعادة الاعتبار، وتوثّق بينهما عرى المحبة والاستقرار.
والاعتذار سلوك حضاري بين الناس عامة والزوجين خاصة فأغلب الرجال يقاومون الاعتذار ولا يحبون الاعتراف بالخطأ، إذ يعتبرون لحظة الاعتذار من أصعب اللحظات في حياتهم. فالزوج الذي يخطئ عليه أن يسعى بدافع من شعوره الراقي أمام زوجته بالاعتذار، والذي يرفض الاعتذار لزوجته يعد مريضا نفسانا، فإن الشخص الذي يرفض الاعتذار يصبح بغيضاً في نظر الآخرين وهذا ما يؤكده الدكتور كود وول المتخصص في العلاقات الزوجية بقوله: "معظم الرجال يشعرون بأن قدراً كبيراً من هيبتهم سيضيع إذا قدموا اعتذاراً أو اعترفوا بخطأ"[19].
ومن جانب المرأة أن تعلم أن المرأة عرضة للتقصير في حق زوجها مهما حرصت، فكيف هي إذا أهملت أو غفلت عن هذا الحق؟، ولذلك فمن أعظم الأساليب التي تعوض بها  هذا التقصير، الاعتذار للزوج، والرجوع إليه عند الخطأ، ومن المعترف عند الرجال أن أحلى كلمة يسمعها الرجل من زوجته، هي عندما تعتذر إليه مهما كان الخطأ. وهذا ليس إذلالاً للمرأة كما تتصوره بعض النساء، ولا تكبراً من الرجل كما يصوره الشيطان وأعوانه، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا أذوق غمضا حتى ترضى"[20]. قال المناوي في فيض القدير : فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن، فهي خليقة بكونها من أهل الجنة، وقلما نرى فيهن من هذه صفاتهاـ[21]
ويؤكد الخبير الاجتماعي الدكتور أحمد المجدوب أن الرجولة تحتم على الزوج أن يعتذر إذا أخطأ فى حق زوجته أو أي شخص آخر، فالرجولة تعنى الصدق والشهامة. وعندما يعتذر الرجل فإنه لا يسقط من عين زوجته أو يهون أمره عليها، بل ترتفع قيمته في نظرها ويعلمها درساً في الأمانة والشهامة واحترام الذات. والاعتذار ليس ضعفاّ بل الضعف أن تخفى خطأك وتظل تكابر، أما الرجل الذي يثق بنفسه ويحترم ذاته فإنه لا يجد غضاضة في أن يعتذر ووقتها سوف يصبح قدوة لزوجته[22].
وخلاصة ما ذكرناه من أقوال علماء النفس جلي فيما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه قال لزوجته أم الدرداء رضي الله عنها "إذَا غضبتِ أرضيتُكِ، وإذا غضبتُ فأرضيني، فإنّكِ إِن لم تففعلي ذلك فما أسرع ما نفترقُ[23].
قبول الأعذار:
أن يقدم المخطئ اعتذاره، تلك خطوة رئيسية هامة لتجاوز الخصام و تحقيق الوئام، لكنها يجب أن تقابل بخطوة إيجابية من الطرف الآخر، وهي قبول الاعتذار والصفح عن الإساءة، لتكون ثمرة الإصلاح والود يانعة ناضجة. وقبول الأعذار من أخلاقية المسلم التي وصفه الباري سبحانه في محكم تنزيله "والكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين"[24].
ومع اتصاف الكبار بهذا الخلق العظيم وهذا السلوك الإيجابي من تقديم الاعتذار والاعتراف بالخطأ متى بدر منهم، فهم كذلك يبادرون لقبول الأعذار من المخطئين في حقهم، فلا تعاليَ ولا بطرَ ولا أشرَ، بل مسامحة وعفوٌ وطيب خاطر، وهم بذلك يقدّمون درسا عمليّا للناس، فقبول الاعتذار بهذه الصورة يحضُّ الناس على الاعتذار متى أخطئوا؛ لأن الإصرار على الملامة والعتاب وتسجيل المواقف لإحراج المعتذرين يجعلهم يُصرِّون على الخطأ ويأبون الاعتراف به.
ومنها قبول العذر من فاعله، صدق أو كذب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اعتذر إليه أخوه المسلم، فلم يقبل عذره، فعليه مثل صاحب مكس"[25].
وقد أحسن الشاعر:
أَقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِراً        إِن يَروِ عِندَكَ فيما قالَ أَو فَجَرا
فَقَد أَطاعَكَ مَن أَرضاكَ ظَاهِرُهُ      وَقَد أَجَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا
خاتمة:
إنّ الاعتذار شجاعة لا تقلّل من قيمة المرء، بل تزيده مكانة ورفعة، ولو كان من أب لابنه، أو أستاذ لطالبه، أو زوج لزوجته، فهذه مروءة وشهامة ونبل وكرامة، وإنّ المسلم الحقيقي هو الذي يقيّم نفسه باستمرار، وإن أدرك أنّه أساء أو قصّر في حقوقه، بادر بالاعتذار، فإنّ حسن الاعتراف يهدم الاقتراف، وإنّ التراجع عن الخطإِ بالاعتذار، خير من التمادي في الباطل بالاستكبار، ومن أنصف الناس من نفسه، لم يزده الله تعالى إلا عزّا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممّن إذا ذكّر تذكّر، وإذا أساء استغفر، وإذا أخطأ اعتذر، وإذا اعتذر له قبل وغفر، وأن يوفّقنا جميعا لطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.






[1] تاريخ المدينة 1/409 ومدارة الناس 1/49.
[2] صفحة 590، المعجم الوسيط.
[3] رقم الآية 23 سورة الأعراف
[4] رقم الآية 37 سورة البقرة
[5] رقم الآية 47 سورة هود
[6] رقم الآية 16 سورة القصص
[7] رقم الآية 87 سورة الأنبياء
[8]عبس :1 - 4.
[9]تفسير القرطبي 19/212.
[10]  رقم الحديث، 6275/ باب وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَعَايِشِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الرَّأْىِ، صفحة: 98/ الجزء 7: الكتاب صحيح مسلم
[11] رواه أحمد وابن ماجة
[12]  صفحة 272، جزء 4 . الكتاب : المستدرك على الصحيحين للشيخ محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري رحمه الله.
[13]  رقم الآية 54 سورة الزمر
[14]  رقم الآية 135 سورة آل عمران
[15]  رقم الآية 116 سورة النساء
[16] صفحة 7 الجزء 1 الكتاب : آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة، المؤلف : أبو البركات الغزي
[17]  صفحة: 322 ، جزء: 6 الكتاب : شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي رحمه الله.
[18]  صفحة 619/ جزء 4، الكتاب : المستدرك على الصحيحين للشيخ محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري رحمه الله.
[19]  السيد سحر فؤاد أحمد، مقالة / الاعتذار يحطم الأسوار، موقع الألوكة (www.alukah.net)

[20]  صفحة 361/ جزء 5، الكتبا: السنن الكبرى للنسائي رحمه الله
[21]  صفحة 15 جزء 6 الكتاب : دروس للشيخ إبراهيم الدويش، المؤلف : إبراهيم بن عبد الله الدويش
[22]  السيد سحر فؤاد أحمد، مقالة / الاعتذار يحطم الأسوار، موقع الألوكة (www.alukah.net)
([23]) تاريخ دمشق 70/152.
[24]  رقم الآية 134، سورة آل عمران.
[25]  صفحة:67/ جزء:6 الكتاب : إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري