الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

هي التي زملت الدين الإلهي



بقلم محمد علي الوافي/ باحث مركز الدراسات العربية و الإفريقية
 جامعة جوهرلال نهرو ــ نيودلهي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الصلوة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد
هذه السيرة سيرة امرأة زمّلت الدين الإلهي ودثّرته حينما يحتاج الدين إلى مزمل ومدثر، كانت هي عون ومعين في نشأة هذا الدين ورعايته. خديجة بنت خويلد بن أسد العزى، اختارتها المشيئة الإلهية لتكون أول مربية للأمة وراعيتها، تتلقى في جدهما عبد مناف. وكان أبوها خويلد إليه ينتهي الفضل والكرم والسيادة بين قومه وعشيرته كما هي سيرة الكرماء في قومهم وعشيرتهم، يطيعونه ويهابونه ويحترمون رأيه ويقدرونه. والتاريخ الجاهلي يوضح ويعطي لنا صورة شجاعته، فذلك حينما أراد ملك اليمن أن يحمل معه الحجر الأسود إلى حيث يريد، ولكن هذا الرجل الوحيد منعه وصان الحجر من أياد الأجنبيين.
وبعد هذه الواقعة الشهيرة، خطب خوليد فاطمة التي ولدت له فلذة كبده خديجة رضي الله عنها، وكانت نشأتها في بيت طيب طاهر تحت رعاية الأبوين الطيبين الطاهرين. وورثت خديجة رضي الله عنها الجمال والرونق من أمها والخير والإحسان من أبيها والشجاعة والحرمة من بيتها والحكمة والعلم من ابن عمها ورقة بن نوفل.
وكانت حياتها في بيت واسع الثراء ملتزم الأخلاق الفاضلة الطيبة، ومعروف بالتدين والبعد عن الانغماس في الملاهي. وكيف تنغمس خديجة في الملاهي لأنها تحت رعاية ربها سبحانه وتعالى لأنها خلقت من أجل أن تكون سيدة نساء العالم وأما للمؤمنين مادام يحتاج المؤمنون إلى أمهم وراعيتهم.
ولقد تقدم إلى خديجة رضي الله عنها الفتاة اليافعة في عمرها بعد بلوغها العاشرة، عتيق بن عابد بن عبد الله المخزومي، ورزق لهما في هذا الزواج عبد الله، ثم مات زوجها الحنون عليها، فلم تستمر حياة خديجة رضي الله عنها بدون زواج مدة طويلة، فقد جاء إليها يخطبها هند بن زرارة بن البناش التميمي المعروف بأبي هالة، وولدت له هند وحارثة وزينب. ثما مات زوجها الثاني، فحزنت السيدة على فقيدها ووالد أبنائها.
وانتقل أبوهالة، زوجها الثاني، إلى الدار الآخرة بعد أن ترك لزوجته الوفية مالا وافرا وثروة عريضة وتجارة واسعة. فقامت على إدارتها وتوجيهها، ثم أدت السيدة خديجة رضي الله عنها دورها في الحقل التاجاري، واستطاعت أن تؤسس في مكة بيتا تجاريا ضخما، أصبح هذا البيت فيما بعد علَمًا عليها تعرف به. ولكن شهرتها لم تقف عند حدود المال والجمال، بل تحددت ذلك إلى سيرتها التي كانت نبراسا لكل فتاة تريد السمو والعلو في حياتها الشخصية، لأن السيدة خديجة رضي الله عنها هي التي عرّفتْها الجاهلية ـــــ الطاهرة ــــ لطهارة قلبها وطيب خلقها.
ومن ميدان تجارتها عرفت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الذي سماه قريش ـــ أمينا ـــ لأمانته وصدق قوله. ورأت السيد خديجة رضي الله عنها في صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وكيلا لتجارتها وشريكا لحياتها. وإضافة إلى ذلك أنها لما رأت البضائع والربح قد كثرت وقول ميسرة خادمها عن أخلاق النبي الفاضلة والحوادث العجيبة قد صُدّقتْ، ترغبت السيدة منه الزواج لأنه يمتلك تلك الصفات التي ضيعها شبان قومها وعصرها. قدّر الله ذلك الاتقاء في تقديره حتى مضت الأيام وهي زفت إلى الحجر النبوي الشريف، وبعد مرور سنوات أنجبت السيدة خديجة رضي الله عنها رياحين قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فهم ستة، أربة إناث وإثنان ذكورا. 
كانت هي أول من آمن من النساء، بل أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بالإطلاق، وكانت رضي الله عنها أول من استمع إلى الوحي الإلهي، وكانت بيتها أول مكان في وجه الأرض تليت فيه آيات الرحمن بل هي التي أول من تلت القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وهي التي شدّت إزارها لتقوية هذا الدين وتعزيزه. وهي ممرضة الدين الأولى لأنها طعمت الدين الإلهي في طفولته حينما يكاد يخور قواه.
تلقت خديجة رضي الله عنها في ميادين الوحي ما لم تتلقى واحدة من أزواجه صلى الله عليه سلم، امتدت يد قريش إلى تجارتها حيث قطعوا سبل تجارتها حتى اضمحلت ثروتها لأجل إيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن صبرت على كل هذا صبر من علم أن المال ظل زائل يتزايل من هنا وهناك.
ولم تفلح قريش أمام قوتها وعزمها حتى لجؤوا إلى المقاطعة إلى شعب أبي طالب، والتاريخ قد دهش في أيام المقاطعة من سخائها وطول يدها، لأنها أدت دورها حيث أنفقت على المسلمين من مالها وثروتها إنفاق من لا يخاف فقرا ولا شحا.
وبعد هذه المقاطعة بعام، أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بمصيبتين جللين، جعلاه يسمي ذلك العام ــ عام الحزن. لأن سنوات المقاطعة والحصار أوهنتها وخطفت قواها حتى سقطت مريضة على الفراش. أحس النبي صلى الله عليه وسلم بالحزن والأسى، وأحاط هو وبناته على فراش زوجته، وهن يبكين أغلى الأمتهات وأكرم المجاهدات. يكلمها النبي صلى الله عليه وسلم أواخر الكلمات حيث قال: ما أمرّ الفراق يا خديجة، يكون اللقاء في الجنة في قصرك يا خديجة الذي أعد الله لك في لؤلؤ مضيء، فتجيبه زوجته الوفية الصديقة مع آخر نسمة من نسمات الحياة.... عاشت رضي الله عنها في حجر الوحي ثمانية وعشرين عاما

0 comments:

إرسال تعليق