الأحد، 29 نوفمبر 2015

مستقبل التعددية الثقافية في الهند

بقلم محمد علي الوافي/ الباحث، مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهرلال نهرو، نيودلهي
إن واقع المسلمين في الهند واقع أليم ومحزن، ينذر بالخطر في كل لحظة. وليست القضية مختصرة على قتل واحد من أبريائهم فقط، وإنما القضية تمس الهوية الإسلامية والوجود الإسلامي في الهند. وهذا الواقع المؤلم يفرض على المسلمين شعوبا وحكومات السعي بكل الوسائل الوسبل لإيجاد المناخ السلمي للمسلمين في الهند وتوفير أسباب الأمن والاستقرار لهم ولأجيالهم القادمة. وأصبحت ثقافة الهند في وضع يتخلله الخوف والكراهية التي تؤدي إلى الصراعات والعنف والحرب نتيجة للنزعات الدينية والقومية على الرغم من انتمائه إلى  الديموقراطية، لقد آن الأوان لإنقاذ هذا البلد الديموقراطي من هذا الخوف المسبب عدم الثقة المتبادلة، وأصبح ضروريا تعزيز قيم التناغم الإنساني والتعدد الثقافي والانفتاح للآخرين. ومن الواضح أن رفض التعددية الثقافية كإطار للعيش معا، يهدد كيان الإنسانية ويؤدي إلى أنواع النزاعات.
والإسلام له دوره الريادي في حروب تحرير الهند من الاستعمار الإنجليزي، والمسلمون ضحَّوا في سبيل تحرير هذا البلد بكل ما يمتلكون من النفس والنفيس. وتعرضوا لخسائر مادية وفوادح معنوية لم يتعرض لها غيرهم من الهنود. ولذلك وجه الاستعمار سهام غضبه ورماح مقته إلى المسلمين، وواجههم بمعاملات قاسية وحشية لم ير تاريخ الهند مثلها. وحرّمهم من سبل التعلم وأبعدهم عن الوظائف الحكومية، بل حرض الإنجليز المتطرفين من الهنادكة والسيخية على المسلمين.
سلب الاستعمار الحكم الإسلامي من إمبراطورية المغول الإسلامية، فلقوا من المسلمين معارضة عنيفة ضد استعمارهم وسيطرتهم على حرية الهند، ولمواجهة هذه المدافعة والقضاء على هذه المعارضة ولكسر شوكة المسلمين ولتمكين سيطرتهم على الهند، استندوا إلى استراتيجية شنعية، أَلاَ وهي سياسة ‘فرق تسد’ (Policy of Divide and Rule) فاستمالوا المتطرفين من الهندوس إلى جانبهم، واستئزروا بعداوتهم ضد المسلمين بمختلف الوسائل والأساليب، وقد لبوا هؤلاء المتطرفون من الهنادكة إلى ما ينادَوْن.
ونجح المستعمر البريطاني في تأجيج نيران الفتنة بين الهنود، وأشعلوا الحرب الطائفية التي ازدادت بمرور الأيام، وينوه بها بعض المؤرخين المتخصصين في الحضارة الهندية، إذ يقولون إن المؤرخين الإنجليزين قاموا بتأليف كتب حاولوا فيها تحريض المسلمين والهندوس بعضهم ضد بعض، وذلك بادعاء أن فريقا منهم كان يقوم بالقتل والنهب ضد الآخر، وأن المسلمين كانوا يحاولون القضاء على ثقافة الهنادكة وتقاليدهم، ويهدمون معابدهم وقصورهم وأصنامهم ويكرهونهم على قبول الإسلام بالسيف.
يعد المسلمون أهم الأقليات الست في الجمهورية الهندة بنسبة 14.23 طبقا للتقارير الرسمية من قبل الحكومة الهندية، وهي مجموعة إسلامية ثانية من حيث كثرة سكانها بعد جمهورية إندونيسيا، بينما يمثل الهندوسيون 79.80 نسبة من سكان الهند.
والأوضاع الأخيرة التي يعيشها المسلمون في الهند خير شاهد لتحقق ما أراد المستعمرون البريطانيون من تمزيق هذا البلاد وتحريض أبنائها بعضهم على بعض. وحزب بارتيها جنتا (Bharatiya Janata Party) الحزب الحاكم في الهند الديموقراطي لا يزال في سكوته المثير للرهيب، على ما يفعلها داعش الهنادكة سانغ فاروار (Sangh Parivar)، وكلمة سانغ فاروار تشير إلى مجموعة المنظمات القومية الطائفية الهندوسية التي لا تزال تثير العواطف الدينية الهندوسية في قلوب أبريائهم، وقد بدأت هذه المنظمات تتنسق على أيدي أفراد راشترييا سوايم سيوك سانغ (Rashtriya Swayamsevak Sangh). وقد استوحوا أفكارهم وشعارهم من آراء رؤسائهم المتطرفين المتشددين في القومية الهندوسية.
ولا تزال هذه المنظمات القومية الهندوسية تقوم بعمليات القتل والترويع، وتهديد التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، وتقوم بالفتنة والاقتتال والتفرقة التي تهدم كيان هذا الوطن الديموقراطي العلماني. والمثال الأخير لهذا النوع التطرفي الإرهابي ما قامت به الفرقة الداعشية الهندوسية بقتل رجل مسلم على حسب شائعات انتشرت بتناوله لحوم البقر وتخزينها في منزله في منطقة دادري (Dadri)، وهي منطقة حدودية في ولاية أوتار براديش.
وهذه الحادثة التي وقعت في شمال الهند تدل على الحقد الغائر في قلوب الهنادكة تجاه المسلمين والأقليين في الهند، حيث قتلوا مسلما بالعصى والطوب حتى الموت، ومزقوا ابنه المدافع عن أبيه وأسرته. بعد شائعات بتناول الأسرة اللحم البقري المحظور ذبحها دينيا في اعتقاد بعض المتطرفين من الهنادكة. ولما انتشرت الشائعة في المنطقة تجمعت الفرق الداعشية الهندوسية بعد أن سمعت إعلانا دينيا من المعبد الهندوسي في القرية، بأن محمد أخلاق وأسرته ذبحوا بقرا وخزنوا لحومها في منزله. فثارت مجموعة من الغوغاء المكونة من سبعين فردا، وأخرجته وابنه من منزله مساء الاثنين 5/10/2015، ليمزقوه وابنه بطرق وحشية وأنماط داعشية، ونتج عنه وفاة أخلاق في مستشفى قريب، بينما يعالج نجله من إصابات خطيرة وبالغة.
وذبح الأبقار يعد ممنوعا في بعض الولايات الهندية، إلا أن الحصول عليه وتناوله لا يعد حراما، وهذه هي الجريمة التي ذهبت بحياة رجل في شمال الهند حيث تشتد هناك شوكة المتطرفين الهندوسيين. والتقارير الصحفية المحلية تؤكد "أن رجلا مسلما اسمه أخلاق الرحمن يبلغ عمره خمسين عاما، قد لقي حتفه بعد أن تعرض لضربات متتالية بالطوب والعصى. وقد شن داعش الهنادكة الحملة الوحشية الشنيعة على الأسرة، لاعتقادهم بأنه وأسرته تناولوا لحم البقر، الذي يعد مقدسا لدى المتطرفين من الهندوس" – جريدة ده هيندو اليومية (The Hindu Daily) بتاريخ 07/10/2015م.
ومنذ وصول حزب بارتيها جنتا (Bharatiya Janata Party) إلى السلطة تحت رئاسة نريندرا مودي (Narendra Modi) شعر المتطرفون الهندوس بالقوة والأمان. وقاموا بأفعال لا تليق بالتعددية الثقافية التي تمتع بها أبناء هذا البلد الديموقراطي، و يجبرون الأقليات المسلمة والنصرانية على التحول عن أديانهم، ويعتدون على شاحنات تحمل البقر والجواميس، ويقومون بالهجمات المتكررة ضد أفراد الأقليات الدينية. وخير دليل على هذا، أنه عندما ألقت الشرطة القبض على المشتبه في حادثة قتل البريء لتناوله اللحم البقري، هاجم  الغوغاء على أفراد الشرطة وسياراتهم، فأجبرت الشرطة على الإجراءات اللازمة، طبقًا لتقارير نشرتها جريدة  ده هيندو اليومية (The Hindu Daily).
والأمر الذي يدعو للعجب والدهشة وهي أن المصادر الدينية الهندوسية لا تمنع تناول لحوم البقر، بل تقول المصادر : إن الرجل الهندوسي المثالي، هو الذي يأكل لحوم البقر. وكذا إن أغلبية الهنادكة يأكلون اللحوم ويتمتعون بالتعايش الإنساني، ويدعمون قيم التسامح الحضاري والتعددية الثقافية، حينما كانت الشرمذة الأخرى يعكر صفو التبادل السلمي والتعايش الإنساني.
وقد عبر الأدباء والشعراء في الهند تضامنهم لعائلة محمد أخلاق، حيث ردت الأديبة الهندية الشهيرة السيدة نيان تارا سيغال (Nayantara Sahgal) الجائزة الأكاديمية الهندية (Sahitya Academy Award) التي حصلت عليها للنشاطات الأدبية في اللغة الإنجليزية. وهي من الكاتبات الموهوبة اللاتي وصلت أعمالهن إلى نطاق واسع في الأدب العالمي، كما أنها من عائلة جواهرلال نهرو، رئيس الوزراء الأول للجمهورية الهندية بعد استقلالها، حيث إن والدتها وجيا لاكشمي فانديت (Vijaya Laksmi Pandit) هي أخت الزعيم جواهرلال نهرو.
والشاعر الهندي الشهير أشوك واجباي (Ashok Vajpei) الرئيس السابق للأكاديمية لاليتاكالا (Lalithakla Academy) أيضا رد الجائزة الأكاديمية الهندية (Sahitya Academy Award) التي نالها لتضلعه ونشاطاته في الشعر الهندي، بسبب زوال التعددية الثقافية عن البلاد تحت الحكومة الجديدة في الهند.
صحيح أن الحكومة الهندية أعلنت رسميا إدانتها لهذه الجريمة الداعشية مؤخرا، إلا أن المسلمين قد انتظروا كلمة الإدانة في نفس الوقت من رئيسهم نريندرا مودي الذي ألح في صمته وسكوته إرضاءا لسانغ فروار. إن الواجب قانونا ونظاما على حكومة الهند أن تحمي أهل الديانة ثم المؤسسات الدينية على اعتبار أنها مسؤولة عن حماية رعاياها وعن حماية مقدساتهم، ولذك استنكر أكثر المثقفين من الأدباء ورجال العلم تغاضي حكومة الهند عن التهديدات التي أطلقها داعش الهنادكة والمتطرفون. وقد حصل التهديد بهدم المسجد البابري أولا ثم بما حدث في ولاية الغجرات من المجازر القومية، ثم وصل إلى ما وصل تحت بصر الحكومة الهندية وسمعها.
وهنا، تجدر الإشارة إلى الخطوات التي يقوم بها تنسيق الكليات الإسلامية في الهند لتوطيد القيم التعايشية بين سكان هذا البلاد الديموقراطي. وتنسيق الكليات الإسلامية هيئة علمية شبه جامعة إسلامية تهدف إلى الجمع بين معارف الوحي والعلوم الإنسانية. تأسست عام 2000م وسجلت لدى الحكومة الهندية، وينتسب إليها حتى الآن 46 كلية إسلامية (بنين وبنات)، وتجعل من مركز التربية الإسلامية مقرا لها، وحصلت على عضوية رابطة الجامعات الإسلامية، ووقعت اتفاقية التعاون العلمي والثقافي مع العديد من المنابر العلمية، مثل جامعة الأزهر وجامعة القاهرة والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم/ جامعة الدول العربية، ومجمع اللغة العربية وجامعة عليكرا الإسلامية، والجامعة الملية الإسلامية وغيرها.
وكجهة تربوية تقوم بصياغة عقلية المآت من الطلاب والطالبات، عقد تنسيق الكليات الإسلامية مؤتمرا عالميا بعنوان "التعددية الثقافية والسلام العالمي" يهدف إلى قيادة عقلية النشأة الجديدة إلى شاطئ فهم الآخر، وإقرار كيان الثقافات المختلفة والتعايش معها، حيث لكل وجهة هو موليها حتى يتم للبشرية رخائها وهنائها.
وقام المؤتمر العالمي باكتشاف الجوانب المختلفة للموضوع من منظور عالمي وهندي حيث شارك فيها المتخصصون والأكاديميون من الولايات المتحدة، البريطانيا، تركيا، إندونيسيا، مصر، الكويت والإمارات العربية المتحدة بدراساتهم القيمة، وتطرقوا إلى الجوانب المهمة للموضوع مثل:
·       تحديات التعددية الثقافية والسلام على الصعيد العالمي.
·       دور الثقافات والأديان في تعزيز السلام.
·       أثر العولمة على المجتمعات متعددة الأعراق والثقافات.
·       التراث الهندي التعددي، والتحديات الحديثة.
·       تقوية الأقليات الثقافية والدينية، وتحديات الحكم الشامل.
·       التعليم المتعدد الثقافات في مجتمع تعددي.
·       الهوية الثقافية أم الهوية الأيديولوجية؟
·       الأصولية العلمانية أم الأصولية الدينية؟
ونجح المؤتمر بتقديم بعض التوصيات لخلق عالم أفضل، يتمتع فيه الجميع بالحرية وتحقيق الذات والحماية من كافة التمييز والتهميش.
وقد أكد المؤتمر بأن الغاية النهائية في التعددية الثقافية في المجتمع هي بلوغ السعادة المتكاملة والتعايش السلمي، وهذه لا تترتب إلا بتوفر الأمن الداخلي والخارجي، وازدهار الوضع الاجتماعي و الثقافي والحضاري، وهو مقرون غالبا بالاحترام لقيم التعايش الإنساني. والمجتمع الهندي في أشد حاجة إلى اتخاذ تلك الخطوات في استراتيجتها الداخلية والخارجية، عسى أن تكون تلك الخطوات معينا على التخلص من أسباب الصراع في المجتمع الناجم عن الكراهية والتعصب وازدراء الآخر والتمييز ضده. وإهمال تعليم أهل الهند مهارات التفاعل الاجتماعي وقيم التعايش السلمي مع الآخرين له أثر في استمرار توارثهم الأفكار المتصلبة والتعصب ومشاعر المقت والنفور من الآخر المختلف، والتعددية الثقافية هي التي تعمل على مكافحة العنصرية والطائفية والعداء للمخالف وغياب التقبل والتسامح. لأن العالم الذي نعيش فيه فسيفساء من مختلف الديانات والتقاليد الثقافية واللغات والأعراق. والتعايش المتناغم بين تلك الهويات المختلفة أمر أساسي لتحقيق السلام العالمي. وأخير يحسن القول: إن داعش الهند لا يمثل بتة، الأغلبية الهنادكة كما لا يمثل داعش سوريا وعراق الأغلبية المسلمين، إلا أنهما شرذمتان فهمتا مصادرهما الدينية بعقولهما المريضة.



1 comments:

اسمي السيدة كيت ويليام ، أود أن أشكر الله عز وجل لإرسال السيدة أوليفيا فريد شركة التمويل التي يقع مقرها في الهند إلي. قرأت على Google كيف أنها تساعد الناس بالقروض. لقد كنت ضحية لعملية احتيال لذلك شعرت بالفزع وعندما اتصلت بها بدت لطيفة للغاية وأحببتها. تقدمت بطلب للحصول على قرض لتوسيع عملي وشرحت لها كيف تم خداعي. أعطتني كلمتها وأنا أثق بها. لقد أكملت كل عملية ، وحصلت بالأمس فقط على قرض بمبلغ 100000 دولار.
شكرا جزيلا لك السيدة أوليفيا فريد. آمل أن تتمكن أيضًا من مساعدة الناس في بلدي ، وكذلك في جميع أنحاء العالم.

للحصول على أي مساعدة مالية ، أوصي بالاتصال بها عبر البريد الإلكتروني: (oliviafredfinancecompany@gmail.com)
WhatsApp: +91 6398825438

لا تفوت هذه الفرصة ، حسنًا.

إرسال تعليق