ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ذكريات الوافي

إن أحسنت فيما كتبت فمن الله الملك المان وإن أخطأت فيما كتبت فمني ومن الشيطان الرجيم ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم

السبت، 25 يناير 2014

قصيدة الكبرياء لنازك الملائكة

كبرياء
لا تسلني عن سرّ أدمعيَ الحرَّ


ى فبعض الأسرار يأبى الوضوحا

بعضها يؤثر الحياة وراء الــ
ـ

ـــحسّ لغزا وإن يكن مجروحا




بعضها إن كشفتَه يستحِلْ حبّـــ


ـــاً مهانا يموت موتا حزينا

بعضها بعضها تكبّر أن يكـــ


شف عما وراءه أو يُبينا




ومئات الأسرار تكمن في دمـــــ


ــــعةِ حزن تلوح في مقلتين

ومئات الألغاز في سكتة تهــــ


ـــتزّ خلف انطباقة الشفتين





وعيون وراء أهدابها أشــ
ـ

ــــباحُ يأسٍ في حيرة وانكسار

تؤثر الظل والظلام ارتياعا
 

من ضياء يبوح بالأسرار




وقلوب تضُمُّ أشلاءها فو
 

ق جراح وأدمع وذهول

تؤثر الموت كبرياءً ولا تنطــــ


ـــق بالسرّ بالرجاء الخجول




وشفاه تموت ظمأى ولاتسْـــ
 

ـــأل أين الرحيق؟ أين الكأس؟

ونفوس تحسّ أعمق إحسا
 

سٍ وتبدو كأنها لا تحسّ




وأكفّ تودّ لو مَزّقت لو
 

قتلتْ لو تمرّدتْ في جنون

لو رأتْها الحياة قالت: هدوءٌ


وادعٌ في براءة وسكون




لو رأتْها ماذا ترى؟ كلّ شيء
 

مغرقٍ خلف داكناتِ الستور

ألفُ سترٍ وألف ظلّ من الكبــ


ـــت عميق وألف قيد ونيرٍ




لاتسلني لاتجرح السرّ في نفـــــ


ـــسي ولا تمح كبرياء سكوتي

لو تكلمتُ كان في كلّ لفظ


قبرُ حُلمٍ وفجرُ جرحٍ مميت




لو تكلمتُ كيف ترتعش الأشــــ


ــــعار حزنا. وترتمي في عياء

لو كشفتُ السرّ العميقَ فماذا


يتبقّى منّي سوى الأشلاء؟




لو تكلمت رعشة في حياتي
 

وكياني تلحّ أن أتكلّمْ

وسكوتي العميق يكتم أنفا
 

سي وقلبي يكادُ أن يتحطّمْ




لو تكلمتُ لو سكتُّ نداءا
 

نِ عميقانِ كالحياة اسنعارا

تتلاقى عليهما كلُّ أسرا
 

ري فأبقى شعرا وحبّا ونارا




وتظلّ الحياةُ تخلقُ من وجـــــ
 

ـــهي قناعا صَلْدا يفيضُ رياءا

جامدا باردا أصمّا ويُخفي
 

بعضَ شيء سمّيتُه كبرياءَ

 

                    (1947)

قصيدة أنا لنازك الملائكة

أنا
الليل يسأل من أنا
أنا سرّه القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرّد
قنّعتُ كنهي بالسكون
ولففتُ قلبي بالظنون
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون؟
والريح تسأل من أنا
أنا روحها الحيران أنكرني الزمان
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسير ولا انتهاء
نبقي نمرُّ ولا بقاء
فإذا بلغنا المنحنى
خلناه خاتمة الشقاء
فإذا فضاء!
والدهر يسأل من أنا
أنا مثله جبّارة أطوي عصور
وأعود أمنحها النشور
أنا أخلق الماضي البعيد
من فتنة الأمل الرغيد
وأعود أدفنه أنا
لأصوغ لي أمسا جديد
غده جليد
والذات تسأل من أنا
أنا مثلها حيرى أحدّق في ظلام
لا شيء يمنحني السلام
أبقى أسائل والجواب
سيظلّ يحجبه سراب
وأظلّ أحسبه دنا
فإذا وصلتُ إليه ذاب
وخبا وغاب

لماذا يكرهون اليابان لأنيس منصور

لماذا يكرهون اليابان؟
العامل كله يتفرج على عجائب الصناعات اليابانية، ويريد أن يفهم.. أو أن يعرف سرّ هذه العظمة العلمية والصناعية، ولكن اليابانيين يضحكون دائما ولا يقولون شيئا. ويكون هذا السكوت دافعا قويا لأن يحاول العالم أن يفك طلاسم التقدم العلمي الباهر لشعب في المائة سنة ماضية..
فما هي المعجزة اليابانية؟
بالضبط، ما هذا الذي حققته اليابان/ألمانيا الآسيوية؟
كيف أن شعبا بدأ تطوره وحركة تنويره معنا، نحن المصريون، ثم هو يتقدمنا وغيرنا من شعوب العالم مئات السنين.. كيف فعلها؟ ولا يزال يتقدم الشعوب الأوروبية والأمريكية.. إن اليابانيين لا يقولون شيئا، ولايعترضون على أي شيء يقال عنهم..
يقال إن المعجزة اليابانية: هي الصبر.
ويقال: إنه التماسك العائلي.. فالشركة أو المصنع هو عائلة يعيش فيها كل واحد ويموت ولا يخرج منها ولا يخرج عنها.. فالعامل الذي يعمل في إحدى الشركات لم يحدث أن أن تركها أو فصلوه منها.. قبلت شركة منافسة عاملا أو مهندسا كان يعمل في شركة أخرى.. فهو إذن يولد ويعيش ويموت في شركة واحدة، هي التي تعلمه وتزوجه وتعالجه وتزوج أولاده وأحفاده..
ولا يستطيع أي إنسان في العالم أن يكون له مثل هذا السلوك الياباني.. ولا يطيق أحد هذه "التبعية" المطلقة لشركة أو لمصنع. ولكنهم في اليابان يقبلون ذلك ولا يريدون غيره.. فهل هذا هو سرّ العظمة اليابانية؟ إذن فما سرّ العظمة الألمانية؟ ما سر الشعب الذي مسح به الحلفاء الأرض وما تحت الأرض فقام جبارا قويا عنيفا.. أعظم وأروع من الروس والأمريكان والإنجليز والفرنسيين الذين احتلوه وأهانوه وأذلّوه!
لقد احتج 14 ألف أستاذ في علم النفس الاجتماعي والصناعي في العام الماضي، والتفتوا إلى الدنيا من حولهم، واتخذوا قرارا. القرار: إن العالم كله يكره الشعب الياباني، هذه حقيقة. يعجب به ولكن لا يحبه. السؤال: لماذا يكرهنا العالم كله؟
هذه هي القضية التي التفّ حولها كل أستاذة علمي النفس والاجتماع وخبراء الصناعة والزراعة والتجارة والإعلان.. والمطلوب هو معرفة: لماذا؟
يتساءلون هل لهذه القضية ما يبرّرها؟ وإن كانت الكراهية لأسباب حقيقة، فكيف نكسب العالم الذي خسرناه؟... وهل يستطيع الشعب الياباني الذي أكد عبقريته في إبهار الناس وغزو الأسواق وخراب بيوت كثير من المصانع المنافسة لليابان... هل هذا الشعب يستطيع أن يكون عبقريا في محبة الناس – أي في جعل الناس يحبونه.. هل تستطيع اليابان أن تخلق الحب لها في العالم.. هل يمكن "تخليق" الحب.. هل يمكن تصنيع الحب لكل ما هو ياباني.. وكم يتكلف الحب؟
أما الكراهية فقد كلفت الشعب الياباني عرقا ودموعا ودما وموتا مائة عام وزيادة.. فهل اليابان في حاجة إلى مائة سنة أخرى لكي يكون حبها عالميا كما أن الإعجاب بها عالمي أيضا؟
فاليابان أرض ضيقة وأناس كثيرون.. وليست في بلاد اليابان موارد طبيعية.. ربماكان الماء –المحيطات، وقد استخرجوا منه السمك واللؤلؤ.. أما اللؤلؤ فقد اخترعوا له حلا سريعا لنموه.. فبدلا من أن ينتظروا قواقع اللؤلؤ تنمو فيها حبات اللؤلؤ سنة بعد سنة.. إلى خمس سنوات.. فإنهم وضعوا في داخل محارة اللؤلؤ نوعا من الكرات الصغيرة المصنوعة من محارات أسماك أمريكية.. هذه الحبات الصغيرة يجيء حيوان للؤلؤ ويفرز حولها المادة الفضية في سنة..أو أقل.. وهذا هو اللؤلؤ المزروع.. وقد كنت أول عربي يرى مزارع ومصانع اللؤلؤ سنة 1959م في مدينة توبا.. وقد تطورت زراعة اللؤلؤ فهم الآن يتحكمون في حجمه وفي لونه.. ودرجة شفافيته.. ولا يملك حيوان اللؤلؤ إلا أن يطيع.. وقد ابتكر هذه الطريقة البسيطة العبقرية رجل اسمه ميكو موتو.. وهو اسم على أكبر محلات ومزارع اللؤلؤ في العالم..
أذكر أنني قابلت أحد أحفاده في طوكيو وأبديت إعجابا ساذجا بزراعة اللؤلؤ، فكان الحفيد ينحني ويتراجع ويشير إلى الوراء.. ولم أفهم معنى الانحناء مع الإشارة. أما الانحناء فهو الأدب الياباني التقليدي في الشارع وفي البيت وأنت تتناول العشاء مع أي أحد.ز أما الإشارة باليد فهي إلى تمثال مصنوع من حبات اللؤلؤ لجده السيد ميكوموتو..
وقد برع اليابانيون في كل شيء كما برعوا في زراعة اللؤلؤ.. أخذوا من أوروبا وأمريكا وطوّروا وأضافوا وأبدعوا.. ونافسوا كل الدول التي سبقت اليابان في كل هذه الصناعات..فالأمريكان –مثلا- اخترعوا الترانزستور واليابانيون طوّروه وجعلوا سعره أرخص ولا نهاية لأشكاله وألوانه.. وقاموا بغزو شامل كاسح لكل أمريكا وأوروبا.. وكذلك التليفزيون والمسجلات والساعات والكاميرات والعدسات والسيارات.. والآن سفن الفضاء والصواريخ.. وأدوات التجميل والموضات وكل الأجهزة الطبية والإلكترونية..إلخ.
ولايزال علماء النفس يبحثون ويتساءلون إن كان هذا هو السبب في كراهية الناس لهم، أي كراهية الناس لمن يعيش معهم تحت نفس السماء وفي نفس المحيط وفجأة يسبق الجميع سرا ودون أن يدري أحد كيف حدث ذلك.
كيف كانت البداية؟
البداية كانت معنا.. فعندما كان رفاعة الطهطاوي ومن بعده علي مبارك يدرسان في فرنسا ويترجمان الدستور الفرنسي والنظريات الاجتماعية والسياسية، ويقارنان بين حضارة الإسلام وحضارة المسيحية وينقلان كل ذلك إلى مصر وفي حالة انبهار أدبي وفكري، كان اليابانيون يرتادون أوروبا وأمريكا بحثا عن سر تقدم الغرب لكي يتقدموا مثل الغرب ويتقدموا على الغرب أيضا.. لقد كانت ثورة!
والثورة اليابانية هي الثورة الوحيدة في تاريخ الإنسان في كل العصور التي قامت وتحققت دون إراقة دماء.. الثورة الفرنسية كان فيها إعدام وإحراق ودم.. والثورة الأمريكية عرفت الدماء والنار والدخان.. والثورة الروسية أعدمت عشرات الملايين، إلا ثورة اليابان، فلا قطرة دم واحدة.. ثم إنها ثورة بمعنى الكلمة: تغيير جذري للنظر إلى الحياة، وأدوات الحياة.. وتعديل نهائي في مسار علاقات الإنتاج وشكل الإنتاج وقفزة بعيدة جدا باليابان إلى بداية خط السباق مع الغرب وبمنتهى الجدية والتركيز الشديد والتضحية اللانهائية.. كثير من العرق والدموع ولا نقطة دم واحدة!
وقد بدا كل شيء يتغير في اليابان من حادثة واحدة. فوجئ أبناء طوكيو بسفينة حربية كبيرة، السفينة نزل منها رجل طويل أبيض أحمر. يرفع العلم الأمريكي ويريد أن يتحدث مع أي أحد مسؤول، فلم يتحدث إليه أحد. فهم لايفهمون كيف جرؤ هذا الأجنبي على أن يلوّث المياه المقدسة لليابان. ولماّ لم يجد القائد الأمريكي أحدا غادر المياه اليابانية ليعود إليها بعد عام- أي سنة1854م. ولم تكن سفينة واحدة، وإنما أربع سفن وعلى ظهرها 560 بحارا.. يريد مسؤولا يتحدث إليه.. ويقدم إليه هذه الهدايا الكثيرة من فساتين السيدات والمجوهرات والأحذية والأطعمة الأمريكية.. ويريد أن تسمح اليابان للأسطول الأمريكي بأن يتزود بالماء. وإذا مرض أحد من البحارة، فلتسمح له اليابان بالعلاج.. وهو في نفس الوقت يطلب التبادل التجاري بين البلدين.. يبيع سلع أمريكا ويشتري سلع اليابان.. ومن حق الأسطول الياباني – إن كاد هناك – أن يذهب إلى الشواطئ الأمريكية ويتمتع بنفس المزايا. ووجد أحدا، واتفق معه وغادر المياه المقدسة.
ولكن دهشة الشعب الياباني لم تنته: السفينة وحجم السفينة.. وأجهزة السفينة وملابس الجنود والضباط وطعامهم.. وأدوات الأكل والشرب.. كل ذلك لم يكن يصنعه أو تخيل لحظة أنه قادر على ذلك.. ولم تنته الدهشة.. ولم تنته الصدمة الحضارية.. كأن السفينة الأمريكية مليون لغم عائم انفجر فانفتحت رؤوس الناس وعيونهم وانطلق خيالهم إلى بعيد، ما هذا؟ كيف هذا؟ لماذا؟ أين نحن وأين هم؟ وكيف السبيل إلى هذه الحضارة الجديدة؟!
ولا يزال علماء النفس يتساءلون إن كان هذا الحادث العابر هو الذي جعل العالم كله يحقد على الشعب الياباني وحسه المرهف وخياله اللانهائي الذي تأثر بحادث عارض فثار على القديم كله وابتدع الجديد.
ودخل الأمريكان والأوروبيون إلى بلاد اليابان وطلبوا معاملات ممتازة، وذاق اليابانيون المرّ أشكالا وألوانا بسبب هذه الامتيازات- التي تجرعناها نحن أيضا في مصر وفي نفس الوقت..
وبسرعة أوفدت اليابان عددا من المثقفين إلى أوروبا وأمريكا، ليروا ويفهموا ويعودوا لكي يعلموا الشعب الياباني.. ذهبوا إلى أوروبا وعاشوا.. ورأوا وكتبوا وفهموا وناقشوا وقرروا.. أما الذين ذهبوا إلى أمريكا فلم يبهرهم شيء هناك، فقط عندما حضروا إحدى الحفلات وجدوا الرجال يقفون أمام النساء.. ثم تنهض المرأة والرجل يلف يده حول خصرها وترقص هي وهو على أطراف الأصابع مع الموسيقي.. ساعة وراء ساعة. كان ذلك أعجب ما شاهدوا في الدنيا.. كيف يتقارب الرجل والمرأة هكذا علنا؟! كيف يعانقها علنا ويراقصها علنا ويتلامسن أثناء الرقص؟ هذا ما لايمكن أن يحدث في اليابان.. فالمسافة بين الرجل والمرأة كبيرة جدا.. والكفلة لا يمكن أن تزول هكذا.. ولا المسافات.. أما كل الذي رآه في أمريكا فيمكن تقليده وتنفيذه.. إلا هذا الرقص فيحتاج إلى عشرات السنين لتغيير سلوكيات وتقاليد اليابان..
ولم يشغلهم الرقص كثيرا..
ولكنهم عادوا ببرنامج عمل بسيط جدا.. هو الثورة الحقيقية.. بل الثورة الوحيدة البيضاء الباهرة في تاريخ الإنسان.. لأنها غيرت كل شيء حتى وصلت باليابان إلى ما هي عليه الآن.. فماذا فعل هؤلاء المثقفون.
أولا: استدعوا عددا من الإنجليز لكي يعلموهم صناعة السكك الحديدية والتليفونات.
ثانيا: وعددا من الفرنسيين ليصنعوا لهم دستورا جديدا.
ثالثا: طلبوا من الألمان أن يعلموهم بناء المستشفيات وصناعة الدواء.
رابعا: من الأمريكان أن يقيموا لهم المدارس ويضعوا لهم البرامج التعليمية..
خامسا: طلبوا من الإيطاليين أن يعلموهم الرسم والنحت والموسيقي.
وجاء هؤلاء الخبراء إلى اليابان وأقاموا سنة وسنة أخرى.. وعلموا مئات اليابانيين. وودعهم اليابانيون بانحناء عميق وامتنان عظيم.. ثم أقفلوا على أنفسهم المصانع والورش والمدارس.. وبدأت اليابان تغير حياتها وأسلوبها وموقعها على خريطة الدنيا.. ويكفي أن نعلم أن اليابان هي أول دولة استخدمت اللاسلكي في الحرب سنة 1904م اللاسلكي الذي تعلمته من بريطانيا.. فقد رصدت اليابان حركات الأسطول الروسي الذي اتجه يضرب اليابان في مياهها.. فرصدوا تحركات الأسطول الروسي باللاسلكي.. أحرقوا 27سفينة روسية. وكان ذلك أعظم إعلان عن اليابان الجديدة..
هذه هي كل أسرار النهضة اليابانية.. التنوير الياباني.. لا أسرار ولا ألغاز.. وإنما هم أناس رأوا الغرب، ودرسوا وحللوا، وقرروا وصمموا، فكانت ثورتهم على أنفسهم في كل شيء!
فهل هذا معقول؟
نعم هذا هو المعقول في الفكر الياباني، والثورة الجبارة الهادئة التي دفعت اليابان إلى الأمام في كل المجالات. في السلام وفي الحرب.. وفي الأرض وفي الفضاء.. فغزوا كل الأسواق بلا منافس.. ولم ينافسها أحد إلا تغلبت عليه..
أليس من الطبيعة أن يكرهها العالم؟
فكيف طبيعيا أن يحبها العالم؟ هذا ما يبحثه منذ العام الماضي ألوف علماء النفس والصناعة والزراعة والطب في كل الجامعات اليابانية لعلهم يخرجون بوصفة جديدة للحب.. يمكن تطبيقها وتشريعها.. أي المطلوب هو أن يضعوا "حجاب المحبة والقبول" للشعب الياباني عند العالم كله، هل هذا ممكن؟ اليابانيون يقولون إنه ممكن.. ولابد أن نصدقهم.. فالذي فعلوه في كل المجالات يقنعنا بقدرتهم الفذة على صنع المعجزات.. وإذا كانوا قد صنعوا المعجزات التي أوغرت عليهم قلوب الدنيا، فيس بعيدا أن يصنعوا ما يجعل القلوب تحبهم..
ممكن؟
إنهم يؤكدون أن هذا ممكن..!

جعلنا رمضان ملحمة لأنيس منصور

جعلنا رمضان ملحمة!
شهر رمضان في السعودية له مذاق مختلف. الحياة في السعودية تبدأ بعد صلاة العشاء. كل الناس يخرجون يتزاحمون في الشوارع، والسيدات في المحلات التجارية. ويسهرون ويسهرون حتى يطلع النهار أو قبل ذلك بقليل. وطبيعي أن يناموا حتى العاشرة.. وقليلون حتى الظهيرة.. وأقل حتى قبيل المغرب.
وإذا طلبت أحدا في التليفون وقيل لك: إنه خرج.. فمعنى ذلك أنه نائم فلا تغضب أو لاتسئ الظن به. فهذه عادات استقرت. وليس في استطاعتك ولا من حقك أن توقظ النائم، وأن تفسد عليه حياته، لمجرد أنك جئت إلى السعودية في إجازة  قصيرة.
أما عن الجو فكان حارا. والشمس حارقة – إنني أتحدث عن جدة، أما الرياض فقد كانت شديدة البرودة، أما مكة فهي حارة رطبة – إنني أتحدث عن الحرم المكي فقط.
أما المدينة، فهي محتملة نهارا وليلا. ومع أنها باردة فإن الإنسان لا يشعر بذلك،  أو لا يريد أن يشعر بذلك. ففي المدينة هدوء وصفاء ونقاء. ولها من اسمها نصيب، والمدينة لها تسعون اسما.. وأبغض اسمائها إلى الرسول – عليه الصلاة والسلام – هو: يثرب؛ لأنه يحمل معنى الخطـأ!
وكل ذلك يهون، إلا الطعام، ولا أحد يشكو من الطعام إلا قليلون، أنا واحد منهم. وشكواي: أن الطعام كله من اللحم أو أنه أقرب إلى ملمس اللحم ورائحة الدهن، فاللحم له رائحة قوية، هذه الرائحة قد أغرقت كل شيء.. وكم من مرة حاولت أن أذوق الأرز وأمرّ به إلى قرب أنفي، قبل أن أضعه في فمي.. فكانت له رائحة الدهن.
نسيت أن أقول إنني نباتي.. ووجدت رائحة اللحم في الصلصة وشوربة العدس وفي الحلويات أيضا. ولم أشأ أن أسأل أحدا عن ذلك.. فالناس سعداء بالأكل الوفير في موائد الفنادق الكبرى. وفي البيوت أيضا.
ولذلك فإنني أتجه مباشرة إلى الفول، وإلى الليمون والشطة، ولكي أخفي أية رائحة اللحم في الفول..أو لكي ألسع لساني بالشطة، فيصبح عاجزا عن تذوق أي شيء أو التفرقة بين اللحم والفول والعدس والبصل.
حاولت أن أسأل أحد الخواجات، الذي يستمتع مثلنا بتنوع أصناف الطعام، ولايشرب إلابعد آذان المغرب، احتراما لشعور الصائمين. قلت له بعد أن لاحظت عدم وجود لحم أمامه، وأنت أيضا نباتي!
فأجاب: لا... لماذا؟
-                   لأنني لم أجد أمامك لحما..
-                   سوف يأتي بها الجرسون حالا..لأنني أفضّل اللحم وحده على بقية الأطعمة الموجودة.. وهذا هو الأصح..فهناك نظرية في أمريكا: إن الإنسان ينقص وزنه، إذا أكل طعاما واحدا.. لحما فقط أو دهنا فقط، أو فولا فقط، كما تفعل أنت الآن.. أو فاكهة فقط..
-                   كلامك مضبوط.. فالناس في مصر يزداد وزنهم في شهر رمضان، لأن مائدة الإفطار فيها البارد والساخن، والحلو، والحادق، والحريف، والأرز، مع البطاطس، مع المكرونة، واللحم مع السمك، والفول، والطعمية والبسارة.. ولا بد من أن يمد الواحد يده إلى كل طبق، لا بد..
ولكن طريقة السعوديين في الإفطار هي الأصح.. فهم يتناولون التمر.. الذي يسد النفس عند الطعام.. ثم يصلون المغرب.. وبعد ذلك يجلسون إلى الطعام، أقل من الذين يجلسون فورا مثلنا ويحشرون معداتهم، بكل ما على المائدة! وسألني الخواجة: وأنت ماذا تفعل في مصر؟!
-                   أنتهز هذه الفرصة لكي أنقص وزني فأملأ معدتي بالشوربة والصلصة، حتى إذا اتجهت إلى بقية الطعام كان نصيبي منه قليلا جدا.. ثم إنني لا أتناول طعام السحور، فهو عبء على المعدة، وغشاوة على العقل، وسلاسل تكبل الإنسان، فلا يبرح الفراش إلى العمل!
-                   إذن أنت سعيد بذلك!
-                   ليس تماما.. فإنني أجد جرحا شديدا، عندما أجد نفسي مدعوا لتناول السحور.. ويكون الناس قد أعدّوا مأدبة لا تختلف كثيرا، عن مأدبة الإفطار، فيكون ذلك في الساعات الأخيرة من اليوم التالي.. وأكتفي بفنجان من الشوربة.. ويكون ذلك محرجا للذين جلسوا، يلتهمون، ويزلطون، ويقاومون النوم.. وأنا وحدي الذي لم أذق شيئا. فأبدوكما لو كنت غاندي وكأنهم وحوش ضارية..
-                   فماذا تفعل؟!
-                   ولا حاجة.. هم يأكلون وأنا أشرب.. هم ينامون وأنا أصحو.. هم ضحايا عاداتهم السيئة في رمضان، وأنا أخرج من هذه الملحمة نسبة إلى اللحم سالما.
والحمد لله!

كلمة أولى لأنيس منصور

كلمة أولى
قال لي السفير المصري: يمكنك أن تأكل أي شيء الآن.. وبعد ذلك تتناول عشاءك معنا، مادمت مصرّا على الصيام.. واسترحت إلى هذا الحل. فلم أجد سببا قويا يمنعني من الصيام ما دمت قادرا. ولم أر غروب الشمس ولم أسمع أذانا من أي مسجد. فمسجد طوكيو بعيد جدا. ولا أعرف ما الذي يفعلونه هنا في رمضان. وإن كنت أتمنى أن أرى وأشارك وأعرف وأكتب بعد ذلك. وحسبت فرق التوقيت بيننا وبين القاهرة فوجدته سبع ساعات.. وسألت عن غروب الشمس.. فوجدت أن أمامي نصف ساعة. وجلست أفكر في الطعام والشراب. أما الشراب فأعرفه تماما. إنه كوب شاي ساخن. وفتحت الثلاجة الصغيرة فوجدت بها مشروبات كثيرة وبعض الشيكولاتة والبسكويت. ومددت يدي إلى التليفون أطلب أي سندوتشات جبنة. ودار الحوار بيني وبين الجرسونة.. هي تسأل: تريد سندوتشات؟
-       نعم.
-       كم عددها؟
وتذكرت أنني في اليابان فكل شيء عندهم صغير. فإذا قلت لها: سندوتشات فسوف يكون في حجم علبة السجائر.. وإذا طلبت منها سندوتشا كبيرا فسوف يجيء في حجم الكف وأنا ميت من الجوع.. فقلت لها: أكبر سندوتش عندك.. واحد.. اثنين.. ثلاثة..
-       يعني كم؟
-       يعني ثلاثة سندوتشات كبيرة محشوة بالجبن.. كثير من الجبن..
-       هل عندك طماطم؟
-       طازة؟... كم واحدة.
-       هل هي صغيرة أو كبيرة؟
-       صغيرة.
-       خمس حبات.
-       هل عندك ليمون؟
-       زجاجة؟ - لا..
-       عصير ليمون طازة.
-       لا أفهم..
-       مش مهم.. مش عاوز ليمون هذا يكفي. شكرا. وطلبتني تسألني: هل أريد السندوتشات؟
-       نعم.
-       ولكنك شكرتني من دون أن أعرف..
-       شكرتك طبعا.. فماذا فهمت أنت؟
-       ظننت أنك شكرتني على الحديث معك ومحاولة التفاهم..
-       يا ستي هات أي حاجة في عرضك أنا صايم.
-       ماذا تقول؟
-       لم أقل أي شيء.. أريد السندوتشات بسرعة..
-       بسرعة يعني بعد كم من الوقت.
-       كم تحتاجين من الوقت؟
-       ساعة!
-       يا نهار أسود. هات السندوتشات من غير جبنة. أو هات الجبنة من غير سندوتش ممكن؟
-       لم أفهم..
-       أين أنت؟
-       في المطعم.
-       وأين هذا المطعم.
-       في الغرفة11370
-       وأين هذه؟
-       في الدور الحادي عشر..
-       وكيف أصل إليك..
قالت: أن آخذ الأسانسير إلى الدور الخامس.. واتجه إلى اليمين، ثم آخذ الأسانسير إلى الدور الثامن.. ثم اتجه إلى اليسار، وآخذ الأسانسير إلى الدور الحادي عشر.. وسوف أجدها في انتظاري..
سألتها: وكم أحتاج من الوقت لكي أصل إليك؟
-       نصف ساعة!
وسألتها: لو أنت جئت فكم تحتاجين من الوقت؟
قالت: ساعة تقريبا. فصرخت: لماذا وأنت تعرفين الطريق أكثر مني
-                   نعم.. ولكن لا بد أن أسجل كل ذلك في الأوراق ثم إن هذا النوع من السندوتشات ليس موجودا هنا.. يجب أن أذهب إلى الفرن..
-                   لماذا؟ لأننا لا نتناول هذه الكميات الكبيرة من الطعام.. إنها تكفي لعشرة من اليابانيين وأولادهم!
-                   يا بنتي أنا جائع جدّا.. هات لي سندوتشا واحدا. كم تحتاجين من الوقت؟
-                   ساعتين.
-                   لماذا؟
-                   لأنني يجب أن أذهب إلى الفرن وألغي طلباتك كلها. وأكتب اعترافا رسميا بأنها غلطتي.. وأنا اللي فهمتك خطأ.. وأكتب أنا مستعد لأن أدفع ثمن هذه السندوتشات. فهي غلطتي.
-                   وإذا عدلت عن هذه السندوتشات. وقررت أن أدفع هذه الغرامة نيابة عنك..
-                   هذا مستحيل. أنا غلطانة ويجب أن ألقي جزائي!
-                   وأنت وما ذنبك؟
-                   أنا فهمت غلط. وقد طلبت مني الإدارة من ستة شهور أن أتقن اللغة الإنجليزية. فكذبت عليها وقلت إنني أتقنها!
-                   يمكن أنا اللي لغتي الإنجليزية ضعيفة. ولذلك أنت لم تفهميني!
-                   الزبون على حق دايما يا سيدي! وأرجوك ألا تفعل شيئا من أجلي حتى لا يساء فهمي. وحتى لا تظن الإدارة أنني رجوتك أن تفعل ذلك.
-                   ولكنك لم تطلبي مني شيئا؟
-                   أنا فقط التي تعرف ذلك.
-                   وإذا فعلت؟
-                   فسوف يلقون ملابسي من النافذة.
-                   في اليابان يفعلون ذلك؟
-                   ولكني لست يابانية!
-                   ..................
وانسدت نفسي وضرب المدفع في القاهرة وتوالي صوت الأذان في كل الدول الإسلامية.. وأكلوا وشربوا وناموا وقاموا يستعدون لتناول السحور.. وأنا لم أذق لقمة واحدة، ولا في نيتي أن أفعل ذلك بعد الذي حدث!
وفي حياتي حكايات أخرى أعجب وأغرب.