السبت، 25 يناير 2014

جعلنا رمضان ملحمة لأنيس منصور

جعلنا رمضان ملحمة!
شهر رمضان في السعودية له مذاق مختلف. الحياة في السعودية تبدأ بعد صلاة العشاء. كل الناس يخرجون يتزاحمون في الشوارع، والسيدات في المحلات التجارية. ويسهرون ويسهرون حتى يطلع النهار أو قبل ذلك بقليل. وطبيعي أن يناموا حتى العاشرة.. وقليلون حتى الظهيرة.. وأقل حتى قبيل المغرب.
وإذا طلبت أحدا في التليفون وقيل لك: إنه خرج.. فمعنى ذلك أنه نائم فلا تغضب أو لاتسئ الظن به. فهذه عادات استقرت. وليس في استطاعتك ولا من حقك أن توقظ النائم، وأن تفسد عليه حياته، لمجرد أنك جئت إلى السعودية في إجازة  قصيرة.
أما عن الجو فكان حارا. والشمس حارقة – إنني أتحدث عن جدة، أما الرياض فقد كانت شديدة البرودة، أما مكة فهي حارة رطبة – إنني أتحدث عن الحرم المكي فقط.
أما المدينة، فهي محتملة نهارا وليلا. ومع أنها باردة فإن الإنسان لا يشعر بذلك،  أو لا يريد أن يشعر بذلك. ففي المدينة هدوء وصفاء ونقاء. ولها من اسمها نصيب، والمدينة لها تسعون اسما.. وأبغض اسمائها إلى الرسول – عليه الصلاة والسلام – هو: يثرب؛ لأنه يحمل معنى الخطـأ!
وكل ذلك يهون، إلا الطعام، ولا أحد يشكو من الطعام إلا قليلون، أنا واحد منهم. وشكواي: أن الطعام كله من اللحم أو أنه أقرب إلى ملمس اللحم ورائحة الدهن، فاللحم له رائحة قوية، هذه الرائحة قد أغرقت كل شيء.. وكم من مرة حاولت أن أذوق الأرز وأمرّ به إلى قرب أنفي، قبل أن أضعه في فمي.. فكانت له رائحة الدهن.
نسيت أن أقول إنني نباتي.. ووجدت رائحة اللحم في الصلصة وشوربة العدس وفي الحلويات أيضا. ولم أشأ أن أسأل أحدا عن ذلك.. فالناس سعداء بالأكل الوفير في موائد الفنادق الكبرى. وفي البيوت أيضا.
ولذلك فإنني أتجه مباشرة إلى الفول، وإلى الليمون والشطة، ولكي أخفي أية رائحة اللحم في الفول..أو لكي ألسع لساني بالشطة، فيصبح عاجزا عن تذوق أي شيء أو التفرقة بين اللحم والفول والعدس والبصل.
حاولت أن أسأل أحد الخواجات، الذي يستمتع مثلنا بتنوع أصناف الطعام، ولايشرب إلابعد آذان المغرب، احتراما لشعور الصائمين. قلت له بعد أن لاحظت عدم وجود لحم أمامه، وأنت أيضا نباتي!
فأجاب: لا... لماذا؟
-                   لأنني لم أجد أمامك لحما..
-                   سوف يأتي بها الجرسون حالا..لأنني أفضّل اللحم وحده على بقية الأطعمة الموجودة.. وهذا هو الأصح..فهناك نظرية في أمريكا: إن الإنسان ينقص وزنه، إذا أكل طعاما واحدا.. لحما فقط أو دهنا فقط، أو فولا فقط، كما تفعل أنت الآن.. أو فاكهة فقط..
-                   كلامك مضبوط.. فالناس في مصر يزداد وزنهم في شهر رمضان، لأن مائدة الإفطار فيها البارد والساخن، والحلو، والحادق، والحريف، والأرز، مع البطاطس، مع المكرونة، واللحم مع السمك، والفول، والطعمية والبسارة.. ولا بد من أن يمد الواحد يده إلى كل طبق، لا بد..
ولكن طريقة السعوديين في الإفطار هي الأصح.. فهم يتناولون التمر.. الذي يسد النفس عند الطعام.. ثم يصلون المغرب.. وبعد ذلك يجلسون إلى الطعام، أقل من الذين يجلسون فورا مثلنا ويحشرون معداتهم، بكل ما على المائدة! وسألني الخواجة: وأنت ماذا تفعل في مصر؟!
-                   أنتهز هذه الفرصة لكي أنقص وزني فأملأ معدتي بالشوربة والصلصة، حتى إذا اتجهت إلى بقية الطعام كان نصيبي منه قليلا جدا.. ثم إنني لا أتناول طعام السحور، فهو عبء على المعدة، وغشاوة على العقل، وسلاسل تكبل الإنسان، فلا يبرح الفراش إلى العمل!
-                   إذن أنت سعيد بذلك!
-                   ليس تماما.. فإنني أجد جرحا شديدا، عندما أجد نفسي مدعوا لتناول السحور.. ويكون الناس قد أعدّوا مأدبة لا تختلف كثيرا، عن مأدبة الإفطار، فيكون ذلك في الساعات الأخيرة من اليوم التالي.. وأكتفي بفنجان من الشوربة.. ويكون ذلك محرجا للذين جلسوا، يلتهمون، ويزلطون، ويقاومون النوم.. وأنا وحدي الذي لم أذق شيئا. فأبدوكما لو كنت غاندي وكأنهم وحوش ضارية..
-                   فماذا تفعل؟!
-                   ولا حاجة.. هم يأكلون وأنا أشرب.. هم ينامون وأنا أصحو.. هم ضحايا عاداتهم السيئة في رمضان، وأنا أخرج من هذه الملحمة نسبة إلى اللحم سالما.
والحمد لله!

0 comments:

إرسال تعليق