الثلاثاء، 7 يناير 2014

العلاقة الدبلوماسية في السيرة النبوية ـ من المولد إلى الهجرة

من المولد إلى الهجرة
بقلم: محمد علي الوافي ـ الباحث/ مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جوهرلال نهروـ نيودلهي

نسب النبي صلى الله عليه وسلم
إن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الناس نسبا، وأكملهم خَلقا وخُلقا، وقد ورد في شرف نسبه صلى الله عليه وسلم أحاديث صحاح، منها ما رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم[1]. وقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هو أبو القاسم محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصيّ، إبن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤيّ، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، إبن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان[2].
إن معدن النبي صلى الله عليه وسلم طيب ونفيس، فهو من نسل إسماعيل الذبيح، وإبراهيم خليل الله، وإستجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام وبشارة أخيه عيسى عليه السلام، كما حدّث هو عن نفسه، فقال: دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى[3].
كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه، ولما نجا من الذبح، وفداه عبد  المطلب بمائة من الإبل، زوّجه من أشرف نساء مكة نسبا، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة إبن كلاب[4]. ولم يلبث أبوه أن توفي بعد أن حملت آمنة به صلى الله عليه وسلم، ودفن أبوه بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، فإنه كان قد ذهب بتجارة إلى الشام، فأدركته منيته بالمدينة، وهو راجع، وترك النسمة المباركة، وكأن القدر يقول له: قد انتهت مهمتك في الحيوة، وهذا الجنين الطاهر يتولّى الله عزوجل بحكمته ورحمته تربيته وتأديبه، وإعداده لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور. وكان عمره  خمس وعشرون سنة[5]
ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم
ولقد ولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بلا خلاف، لما رواه مسلم رحمة الله في صحيحه من حديث غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة أن أعرابيا قال: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟ فقال: " ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه[6]" والأكثرون على أنه لإثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وحقق بعض المؤرخين أنه يوم  التاسع من شهر ربيع الأول الموافق 20 أو 21 من شهر أبريل سنة 571م [7]. والمجمع عليه أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل، وكانت ولادته في دار أبي طالب، بشعب بني هاشم[8].
ولقد شهدت السماوات والأرض عند مولده من خوارق العادات والعجائب ما نظمها الشاعر الجليل أحمد شوقي في قصيدته الهمزية النبوية:
ولد الهــدى والكائنات ضـــيــاء


وفـم الزمـان تبــسم وثنـاء

الروح، والملأ الملائـك حولــــه


للـدين والـدنيـا بــه بـشـراء

والعرش يزهو والحظيرة تزدهي


والمنتهى والسدرة العصماء

إلى أن قال:
ذعرت عروش الظالمين فزلزلت


وعلت على تيجانهم أصداء

والنار خاويـة الجوانب حولهم


خمدت ذوائبها وغاض الماء

والآي تترى والخوارق جـمة


جـــبـريل روّاح بــهـا غــداء[9]

في حضانة حليمة السعدية رضى الله عنها
إن أول من أرضعته صلى الله عليه وسلم هي ثويبة، أمة عمه أبي لهب. فكانت الفرصة الثانية قد رُزقت بها أم أيمن بركة الحبشية، أمة أبيه عبدالله. فكانت أم أيمن وصيفة لعبدالله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه، كانت أم أيمن تحضنه، حتى تولى حضانته صلى الله عليه وسلم تماما بعدما قضت والدته آمنة بنت وهب مهمة عيشها، وهي ولادته صلى الله عليه وسلم، وذلك حينما كان عمره صلى الله عليه وسلم ست سنوات. وتوفيت هي بالأبواء بين مكة والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار، في زيارتهما إياهم، فماتت وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة ودفنت بالأبواء. حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، وكانت هي أمه صلى الله عليه وسلم بعد آمنة كما قال صلى الله عليه وسلم " أم أيمن أمي بعد أمي[10] ".
أرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة جارية عمه أبي لهب بضعة أيام، ثم إلتمس عبد المطلب، لحفيده اليتيم، مرضعا من البادية، على عادة العرب. وكان العرب يؤثرون البادية لرضاعته الأطفال ونشأتهم الأولى، لما في هواء البادية من الصفاء، وفي أخلاق البادية من السلامة والإعتدال، والبعد عن مفاسد المدنية، ولأن لغة البادية سليمة أصيلة[11].
وقدّر تقدير الإلاهي أن تكون مرضعة آخر أنبيائه، حليمة السعدية. وهي من قبيلة بني سعد، وكان لهذه القبيلة شهرة في المراضع وفي الفصاحة، وكانت حليمة، خرجت من بلدها تلتمس الرضعاء، وكان العام عام جدب، فإنصرفت حليمة السعدية أول مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه يتيم الأب، ولكن الإرادة الربانية جعلتها منعطفة على هذا الصبي، وألهمت المحبة إلى قلبها، فأخذته، وذهبت به إلى رحلها، ولمست البركة بيدها، فكان لكل شيء في رحلها شأن غير الشأن، ورأت البركة في اللبان والألبان، والشارف والأتان، وكل يقول: لقد أخذتِ يا حليمة ! نسمة[12] مباركة[13]، وحسدتها صواحبها.
وحدثت حادثة شق الصدر، وذلك حينما كان صلى الله عليه وسلم في بني سعد، راعيا لغنمهم مع إخوتهم من الرضاع. وقد روى الإمام مسلم في صحيحه حادثة شق الصدر في صغره، فعن أنس بن مالك: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظّ الشيطان منك، ثم في غسل في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَهُ[14] ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني ظئره – فقالوا إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره[15].
ورعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم مع إخوته من الرضاعة، ونشأ على البساطة الفطرة، وحياة البادية السامية، واللغة الفصيحة التي إشتهر بها بنوسعد بن بكر، وكان يقول لأصحابه صلى الله عليه وسلم فيما بعد: أنا أعربكم، أنا قرشي، وإسترضعت في بني سعدبن بكر[16].
في حضانة جدّه وعمّه صلى الله عليه وسلم
بعد موت أبيه قبل ولادته، وأمه بعد أن بلغ عمره ست سنين، كما أشرت إليه من قبل، وإجتمعت له وحشة فراق الأم الحنون ووحشة الغربة، حتى سلّمته أُمّ أيمن بركة الحبشية إلى جدّه عبدالمطلب.ومنذ الحين فكان صلى الله عليه وسلم مع جده، وكان به حفيا، يجلسه على فراشه في ظل الكعبة ويلاطفه. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، مات عبد المطلب، فذاق مرارة اليتم مرة ثانية كانت اشد من الأولى، لأنه لم ير أباه، ولم ينعم بعطفه وحنوه، وإجتهد جده أن يوسع لهذا الولد محبته المفقودة بفقد أبيه، لذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزن شديدا عند وفاة جده عبد المطلب. فأوصى جده به صلى الله عليه وسلم عمَّه أباطالب، فكفله عمه وحن عليه وعاه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب، وهو أخو عبد الله من أب وأم، وكان أرفق به وأكثر حدبا عليه من أبنائه: علي وجعفر، وعقيل، وطالب[17]. وفي الثانية عشرة من عمره سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام سفره الأول، ولكن السفر لم يتمّ، لأن أباطالب ردّه إلى مكة خوفا عليه.
حرب الفجار وحلف الفضول
وكانت هذه الحرب بين قريش ومن معهم من كنانة، وبين هوازن، وسميت حرب الفجار بسبب ما استحلّ فيه من حرمات مكة، التي كانت مقدسة عند العرب. كما أشرت، أن قريشا شاركت في هذه الحرب بمعاونتهم كنانة، شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيام الحرب، مع أعمامه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الحرب: كنت أنبل على أعمامي أي: أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها[18]. وكان صلى الله عليه وسلم حينئذ إبن أربع عشرة أو خمسة عشرة سنة، وبذلك اكتسب الجرأة والشجاعة،والإقدام وتَمَرُّن على القتال منذ ريعان شبابه.
وكان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار، وسببه أن لذا رجلا من زَبيد[19] مكة ببضاعة فاشتراها عاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص بن وائل فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة ونادى بأعلى صوته:
يـا آل فهـر لمظلوم بضاعته


 


  

ببطن مكة نائي الدار والنفر
 
ومحرم أشعث لم يقض عمرته
 

ياللرجال وبين الحِجر والحَجر
 
إن الحرام لمن تمت كرامته


ولا حرام لثوب الفاجر الغُدر [20]

فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنوهاشم، وزهرة، وبنوتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذوالقعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله، ليكونُنّ يدا واحدة مع المظلوم على الظالم، حتى يردّ إليه حقه ما بلّ بحر صوفة، وما بقي جبلا ثبير وحراء مكانهما [21]. ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه. وسمّت قريش هذا الحلف حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر.
وقد حضر نبيّنا صلى الله عليه وسلم هذا الحلف الذي هدموا به صرح الظلم، ورفعوا به منار الحق، وهو يعتبر من مفاخر العرب، وعرفانهم لحقوق الإنسان. وقد قال صلى الله عليه وسلم "شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حُمر النعم، وأني أنكثه " وقال صلى الله عليه وسلم  " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت[22] "
وقد أدّى هذا الحلف دوره المهم في تكوين شخصية الرسول كدبلوماسي يعالج الأمور حسب ما تحتاجها الظروف.
المطهَّر مع ‘ الطاهرة ’
كانت خديجة بنت خويلد رضى الله عنها أرملة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال ليتجروا بمالها، فما بلغها عن محمد صلى الله عليه وسلم صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار، فقبل وسافر معه غلامها ميسرة، وقدما الشام، وباع محمد صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، وإشترى ما أراد من السلع، فلما رجع إلى مكة وباعت خديجة ما أحضره لها تضاعف مالها[23].
وقد صارت هذه الرحلة سببا لزواجه صلى الله عليه وسلم  من خديجة، بعد أن حدثها ميسرة عن سماحته وصدقه وكريم أخلاقه، ورأت خديجة في مالها من البركة مالم تر قبل هذا، وأخبرت بشمائله الكريمة، ووجدت ضالتها المنشودة، فعرضت عليه صلى الله عليه وسلم نفسها، بعد أن رفضت طلب كثير من أشراف قريش. كما أشرت إليه، أنها كانت أرملة، توفي زرجها أبو هالة، وكانت إذ ذاك في الأربعين من سنها، والعريس صلى الله عليه وسلم في الخامسة والعشرين من عمره[24].
تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصدقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت رضي الله عنها، وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين، واربع بنات. وإبناه هما 1) القاسم، وبه كان صلى الله عليه وسلم يكنى، 2) وعبد الله، ويلقب الطاهر والطيب. وقد مات القاسم بعد أن بلغ سنا تمكنه من ركوب الدابة، ومات عبد الله وهو طفل، وذلك قبل البعثة، أما بناته، فهنّ:1) زينت 2) رقية 3) أم كلثوم 4)فاطمة. وقد أسلمن وهاجرن إلى المدينة وتزوجن[25].
اشتراكه صلى الله عليه وسلم  في بناء الكعبة
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، إجتمعت قريش لتجديد بنيان الكعبة، بعد أن أن أصيب من حريق وسيل جارف هدم جدرانها وكذلك أصيبت الكعبة للسرقة لأن نفرا سرقوا كنز الكعبة وإنما كان في بئر في جوف الكعبة[26]. وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم عليه السلام رضما[27] فوق القامة، فأرادوا هدمها ليرفعوها ويسقفوها، ولكنهم هابوا هدمها، وخافوا منه ن فقال الوليد بن مغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المِعول، ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم نزغ، ما نريد إلا الخير[28]. والمشهور أن بناء قريش الكعبة بعد تزويج النبي صلى الله عليه وسلم  خديجة رضي الله عنها بعشر سنين[29].
ولما بلغوا البنيان موضع الركن، إختصموا في الحجر الأسود، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، وكل قبيلة تريد أن يكون لها هذا الشرف، حتى آل الأمر إلى الحرب كما كانت عادتهم في أهون من هذا في الجاهلية. وأعدوا للقتال، وقربت بنو عبدالدار قصعة مملوؤة من الدم، وتعاقدوا هم وبنوا عدي، على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة[30]. و لبثوا هؤلاء على حالهم أياما، ثم اتفقوا على أن أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينهم، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا، هذا محمد. وفي ذلك الحال إستطاعت الإنسانية والعامون أن يروا نموذجا فذّا، لمقدرته الدبلوماسية، وذلك بأمره صلى الله عليه وسلم إياهم " هلمّوا ثوبا " فأتوه به. فوضع الركن فيه بيديه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم إرفعوا جميعا فرفعوه، حتى إذا بلغوا موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه[31]
نزول الوحي والدعوة السرية
أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين من عمره، والدنيا واقفة على شفا حفرة من النار، والإنسانية تخطوا بخطى سريعة إلى الإنتحار، هنالك ظهرت تباشير الصبح وطلائع السعادة، وآن أوان البعثة، وتلك سنة الله إذا اشتدّ الظلام وطالت الشقوة.ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أن العالم قد إسودّ جوّه وإشتدّ ظلمه، فحبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء، وكان يخرج من مكة ويعبد إلى شعاب مكة وبطونها وأوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يارسول الله ! ويلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة. وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم عليّ قبل أن أُبعَث، إني لأعرفه الآن[32]
وكان أول ما بدىء، به، الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح [33].ومن هنا حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فَيَتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك من عند خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: إقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: إقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال  (إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ …..... مَا لَم ْ يَعْلَمْ)[34].
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خوليد، فقال: زمّلوني ! زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيتُ على نفسي فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ[35]، وتكسب المعدوم[36]، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق[37]. فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة إبن نوفل بن أسد بن عبد العزي، إبن عم خديجة، وكان إمرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عميَ، فقالت له خديجة: يا ابن عم، إسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى: فقال له ورقة: هذا الناموس[38] الذي نزّل الله على موسى، ياليتني فيها جذعا[39]، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ مُخرجيَّ هم ؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي َ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا[40]، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوفحي[41]
الدعوة السرية
بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الله، وإلى الإسلام سرا، وبدأ بأهل بيته صلى الله عليه وسلم، فأصدقائه، فأقرب الناس إليه. وسارع إلى إجابته صلى الله عليه وسلم كل من زوجته وبناته، ومولاه زيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، ومن أصدقائه أبوبكر الصديق، وعثمان بن عفان، عبد الرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم. واستمرّ النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته السرية يدعوا عددا من الأتباع والأنصار من أقاربه وأصدقائه.
 وهؤلاء كانوا نعم العون والسند للرسول صلى الله عليه وسلم لتوسيع دائرة الدعوة في نطاق السرية، وهذه المرحلة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرت فيها الصعوبة والمشقة، حتى لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه مِنْ إظهار شعائر الإسلام. وكان مقر الدين الإسلامي دار الأرقم بن أبي الأرقم، وصارت دار الأرقم مركزا جديدا للدعوة، يجتمع فيها المسلمون، ويتلقون التربية الإلاهية من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعوة الجهرية
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: " يا بني فهر، يا بني عدي " – لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبولهب، وقريش، فقال: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي ؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: " فإنني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبولهب: تبا لك سائر القوم ! ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت:  (تبت يدا أبي لهب وتب)[42].
ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة، قد يعين على نصرته  وتأييده، وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة له أثره الإجابي، لأن مكة من حيث إنه مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام، يساهم في مقبولية الإسلام عند بقية القبائل.
ولما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة للإسلام، وصدع بالحق كما أمره الله تعالى، لم يبعد منه قومه، بل أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته. ولكن الإرادة الإلاهية آوته، وجعل عمه صلى الله عليه وسلم أباطالب حادبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائما دونه، ومدافعا عنه. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ونداءه بالحق، ولا يرده عنه شيء، ومضى أبوطالب يحدب عليه ويذود عنه. وكان أبو طالب يقول لقريش قولا رفيقا، ويردهم ردا جميلا، حينما طالب قريش أن يخلي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم. ولما يفشوا الإسلام في القبائل، فاجتمعت قريش، وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب، على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا، ولا يبتاعوا منهم. فلما اجتمعوا لذلك، كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا، وتواثقوا على ذلك، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، توكيدا على أنفسهم[43]. ونتيجة لتلك الخطة الخبيثة، دخل النبي صلى الله عليه وسلم مع بني هاشم وبني المطلب، في شعب أبي طالب، وذلك سنة سبع من النبوة.
وفي سنة العاشرة من النبوة تتابعت على النبي صلى الله عليه وسلم المصائب إثر وفاة عمه المدافع عنه صلى الله عليه وسلم ووفاة زوجته الحنون خديجة الكبرى رضي الله عنها، وهما، كما هو معلوم، من عرفنا من حسن الصحبة والوفاء والنصر والتأييد،  وإن لم يكن أبو طالب مؤمنا بما جاء به إبن أخيه صلى الله عليه وسلم.
أضواء على مقدرته الدبلوماسية
ولما مات أبو طالب نال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش من الأذى، ما لم تستطع قريش في حياة عمه أبي طالب. ولما اشتد أذى قريش، وانصرفوا عن الإسلام وزهدوا فيه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف وأن يدخلوا في الإسلام، وكان له صلى الله عليه وسلم أمل في الطائف. لأنه صلى الله عليه وسلم رضع في بني سعد، وهم بمقربة من الطائف، وفيهم مراضعه وحواضنه.
وتقع مدينة الطائف، المدينة الثالثة الكبيرة بعد مكة ويثرب، على مسافة خمس وسبعين ميلا تقريبا إلى الجنوب الشرقي من مكة، وهي واقعة على ظهر جبل غزوان [44].وقد توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف في شوال سنة عاشرة بعد البعثة. وقد كانت هذه الرحلة في سبيل الدعوة حدثا كبيرا، ليست في تاريخ النبوي فقط، بل في تاريخ النبوءات والدعوات. وكان أهل الطائف أصحاب أملاك وبساتين، وثراء ورخاء. وكانت ثقيف تنفرد بالسيادة في الطائف، لأنها من أعظم القبائل العربية التي يضرب بقوتها وثروتها المثل.
وقد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، إما لأنه المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة، أو لأن أخواله من بني ثقيف، فرأى أن يخرج إلى الطائف، يلتمس من الثقيف النصر والمنعة له من قومه [45]. ومن هنا تظهر مقدرته الدبلوماسية، وذلك لما خاب أمله في قريش، ولما اشتد توجيعهم إياه، يلتمس النصر والمعونة من البلاد المجاورة له صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يصدر إلا من رجل عالم بأحوال البلدان المجاورة له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصد كلما يقع من الأحوال في البلدان والقبائل التي حوله. ويذكر إبن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استصحب في رحلته إلى الى الطائف مولاه زيدبن حارثة [46].
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، تكلم النبي صلى الله عليه وسلم مع أشرافهم، وجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، ولكن على عكس رجائه، ردّوه شرّ ردّ، وإستهزؤوا به صلى الله عليه وسلم، وأغروا عليه سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه  ويصيحون به، ويرجمونه بالحجارة، فعمد إلى ظل نخلة، وهو مكروب، فجلس فيه، فبالجملة، كان ما لقي في الطائف أشد ما لقيه من المشركين، حتى قعدوا لطريقه صفين، فلما مرّ صلى الله عليه وسلم، جعلوا لا يرفع رجليه إلا رموها بالحجارة حتى أدموه.
وإن لم ينل صلى الله عليه وسلم من الطائف ما يرجوه، وهذا التقدم والإتجاه يعتبر أول خطوة دبلوماسية في تاريخ الإسلام والمسلمين. إذ إنه صلى الله عليه وسلم لقي الرجال الذين يقلدون مقاليد الأمور حوله، ثم إجتهد لأن يمارس العلاقة الدبلوماسية معهم ولكن هذه الخطوة لم يقده صلى الله عليه وسلم  إلى النتيجة المرجوة.


هجرة المسلمين إلى الحبشة
ومما يجذب إنتباهنا أن المسلمين خلال هذه القساوة والمعاناة التي واجهوها عند بداية الإسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدر أن يدافع عنهم، فقال لهم: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن لها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه "[47]. فخرجت عند ذلك جماعة من المسلمين إلى ارض الحبشة، فكانت أول هجرة في الإسلام، وكانوا عشرة رجال وأربعة نسوة فيهم عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّروا عليهم عثمان بن مظعون، ثم تبعهم المسلمون حتى كان جميع من هاجر إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا [48]. وليست هذه الهجرة مجرد فرارا من أذى المشركين، بل إنها خطة دبلوماسية نبوية على صاحبها أفضل الصلوات والسلام، لأنه تقترن معها نية دعوتهم إلى التوحيد، ثم تأكيد نصرتهم عند الحاجات.
ولما رأت قريش أن هؤلاء قد أمنوا واطمئنوا بأرض الحبشة، وجهزوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو إبن العاص بن الوائل، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي، ولكن الإرادة الله منعت النجاشي من أن يأخذ تلك الهدايا التي جهزت لطرده المسلمين من بلاده. وقال المشركون من قريش لقواد النجاشي: إنه لجأ إلى الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع، لا نعرفه ولا أنتم. ولما أعلموا النجاشي بهذا الخبر، أبى أن يقبل كلامهم، وأرسل إلى المسلمين فداعاهم، فقال للمسلين: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ؟ ولم تدخلوا في ديني ودين أحد من هذه الملل ؟


تصوير دبلوماسي لدين الإسلام
وقام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قائلا للمليك: " أيها الملك ! كنا قوما أهل الجاهلية، نبعد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسبي الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه كالحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - فعدد عليه أمور الإسلام – وصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث[49] "
" فلما قهرونا، وظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك " [50]. وسمع النجاشي كل ذلك في هدوء ووقار، ثم قال: هل معك مما جاء به صاحبكم عن الله من شيء ؟.
قال جعفر: نعم.
قال النجاشي: فاقرأه علي.
فقرأ جعفر بن أبي طالب صدرا من سورة مريم، فبكى النجاشي، حتى اخضلت لحيته، وبكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم. إن كلام جعفربن أبي طالب رضي الله عنه أمام ملك الحبشة، وتصويره للإسلام، كلام حكيم قد جاء في أوانه ومكانه، وقد دل على بلاغة صاحبه العقلية، وقدرته الدبلوماسية إذ إنه صوّر مقامه ومقام من معه من الدين، من أجله طردوا من مكة، أمام الملك المستنصر تصويرا لائقا. وهذا كلامه موجز، أتى بعرض غرضه من دون أن يتيح أي فرصة للجدل الرخيصة والمهاترة، وكلامه على الرغم من قصره قد إستوفت فيه كلما أتى محمد صلى الله عليه وسلم.
فلما سمع النجاشي هذا القول الفصل، قال: إن هذا والذي جاء به عيسى عليه السلام، ولا أسلمهم إليكم. ورد المسلمين ردا كريما، وأمنهم، وخرجا من عنده مقبوحين [51] فأقام المسلمون بخير دار مع خير جار. وكانت هذه الهجرة إلى الحبشة سنة خمس بعد النبوة، وقد بقي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع عدد من أصحابه إلى سنة 7 من الهجرة [52].
وقد أسلم النجاشي وصدق بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات "[53]
مفاوضات النبي صلى الله عليه وسلم مع القبائل ثم مع- أنصاره- صلى الله عليه وسلم
مع إمتداد تعرضه للإستهزاء من المشركين، ما توقف عن الدعوة، ولا ضعفت همته في تبليغها، ولا ضعفت بصيرته، وحيلته في تنويع أوقاتها وأساليبها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينوّع، ويبتكر في أساليب الدعوة، فدعا سرا وجهرا، وسلما وحربا، وجمعا وفردا، وسفرا وحضرا.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسعى لإيجاد مركزا جديدا للدعوة، وطلب النصرة من ثقيف، ولكنها لم تستجب له، وفي طريق عودته من الطائف إلتقى بعدّاس الذي كان نصرانيا فأسلم[54].
لمحة دبلوماسية من سياسيته صلى الله عليه وسلم
لما كانت أرض طائف ذات زرع وثمر، طمعت فيها قريش من قبل، بل حاولت في الماضي أن تضم الطائف إليها، فخافتهم ثقيف، وحالفتهم، وأدخلت معهم بني دوس، وقد كان أغنياء مكة يملكون الأملاك في الطائف، ويقضون فيها فصل الصيف، فلذلك يمكن أن نعد هذا الإتجاه من نكتة نبوية، لأنها إن قدر له صلى الله عليه وسلم في الطائف موضع قدم، وعصبة تناصره، فإن ذلك سيفزع قريشا، ويهدد أمنها، ومصالحها الإقتصادية مباشرا، وهذه الخطة لمن الإشارات التي تشير إلى قدرته الدبلوماسية.
ومن المعلوم، أنه إنما اتجه إلى الطائف، لما علم فيها عدم سلطة مركزية واحدة، لذا حاول أن يستميل إليه الأحلاف، فإن نجح في محاولته هذه ستكون هي الخاتمة المرجوة في مثل هذه الظروف القاسية  التي عاناها صلى الله عليه وسلم. فلذلك اتجه النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة حينما دخل الطائف إلى بني عمروبن عمير، الذين يترأسون الأحلاف. ولكن ردود الأفعال التي تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف ليست حسب رجائه صلى الله عليه وسلم. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّ أن تتم إتصالاته تلك في جوّ من السرية، وألا تنكشف تحركاته لقريش[55].
مفاوضات النبي صلى الله عليه وسلم مع القبائل
ولمّا يئس النبي صلى الله عليه وسلم من إسلام أهل الطائف، فتحيّن النبي صلى الله عليه وسلم  المواسم ليعرّض نفسه على القبائل طلبا للنصرة، والإيواء. وكانت خطته هذه وفق خطة سياسية دعوية واضحة المعالم، ومحددة الأهداف. ومن الذين دعاهم في المواسم هم بنو عامر، وغسان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنوحنيفة، وبنوسليم، وبنوعبس، وبنونصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنوالحارث بن كعب، وبنوعذرة، وقيس بن الخطيم، وأبواليسر أنس بن أبي رافع.[56]
ولقد أجرى النبي صلى الله عليه وسلم  المفاوضات مع بني عامر، وبني شيبان. فأما الأولى فهي فشلت لما طلب رجل من بني عامر بن صعصة، يقال له بيحرة بن فراس، من النبي صلى الله عليه وسلم " أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ " فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم " الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء " فقالوا " لا حاجة لنا بأمرك " فأبوا عليه صلى الله عليه وسلم.[57]
أما المفاوضة مع بني شيبان قد جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كل من مفروق، وهانىء بن قبيصة، والمثنى بن حارثة – أسلم بعد ذلك [58]– ولكنهم قد تعذّروا بعذور. فهذه المفاوضة  أيضا لم تصل إلى غايتها المرجوّة.









[1]  مسلم: كتاب الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم   رقم 5897 .
[2] البخاري كتاب: مناقب الأنصار، باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم   4/288 .
[3]  الحاكم 2/600.
[4] السيرة النبوية، الدكتور على محمد الصلابي، ص: 46.
[5] البداية والنهاية الحافظ إبن كثير، جزء 3 ص: 382.
[6] مسلم رقم الحديث: 1162.
[7] الرحيق المختوم: صفي الرحمن المباركفوري ص48
[8] السيرة النبوية، الدكتور محمدعلى الصلابي، ص:47.
[9] الهمزية النبوية للشوقي، الألوان، ص:174.
[10] نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم، محمد برهان ص: 69، 71.
[11] السيرة النبوية، أبوالحسن على الندوي ص: 100-101.
[12] نسمة: نفس.
[13] السيرة النبوية، أبوالحسن على الندوي ص:101.
[14] لَأَمَهَ: جمعه وضم بعضه إلى بعض.
[15] مسلم، كتاب الإيمان، ج:1ص:45.
[16] إبن هشام،ص: 167.
[17] إبن هشام ص: 179.
[18]  السيرة النبوية لإبن هشام ج:1 ص:221.
[19] زبيد: بلد باليمن.
[20] الروض الأنف، للسهيلي ج: 1 ص: 155-156.
[21]  ما بلّ..... مكانها: كناية عن التأييد والإستمرار. سيرة النبوية لأبي شهبة ج: 1 ص: 213.
[22]  السيرة النبوية لإبن هشام، ج: 1 ص: 134.
[23] السيرة النبوية، الدكتورعلي محمد الصلابي، ص: 62.
[24] البداية والنهاية، ج:2 ص: 378.
[25]  السيرة النبوية، الدكتور علي محمد الصلابي، ص: 63.
[26] البداية والنهاية ج:3 ص: 385.
[27]  الرضم: حجارة منضودة بعضها على بعض من غير طين.
[28]  السيرة النبوية، الدكتور علي محمد الصلابي ص: 65.
[29]  البداية والنهاية ج:3 ص: 382.
[30]  السيرة النبوية، أبوالحسن على الندوي ص:111.
[31]  السيرة النبوية، الدكتور علي محمد الصلابي ص:65.
[32]  كتاب مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم.
[33]  الجامع الصحيح للبخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[34]  سورة العلق 1-5.
[35] تحمل الكلّ: تنفق على الضعيف.
[36]  تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك.
[37]  نوائب الحق: الكوارث والحوادث.
[38]  الناموس: جبريل عليه السلام.
[39]  جذعا: شابا قويا.
[40]  مؤزرا: قويا بالغا.
[41]  البخاري، كتاب: بدء الوحي، رقم:3.
[42] البخاري، كتاب: التفسير – سورة الشعراء، والرقم 4770.
[43]  السيرة النبوية، أبوالحسن علي الندوي ص: 138.
[44]  السيرة النبوية، أبوالحسن علي الندوي ص:142
[45]  البداية والنهاية، لإبن كثير ج: 6 ص: 304.
[46]  طبقات إبن سعد، ج: 1 ص: 95.
[47] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، باب ما ينهي من الكلام في الصلاة ج:11 ص: 489
[48]  سيرة إبن هشام، ص: 321- 330
[49]  السيرة النبوية، أبوالحسن على الندوي، ص: 132، 133.
[50]  السيرة النبوية، أبو الحسن علي الندوي، ص: 133.
[51]  سيرة إبن هشام، ص: 334 – 338.
[52]  السيرة النبوية، أبو الحسن علي الندوي، ص: 135.
[53]  البخاري: كتاب الجنائز، الرقم 1333.
[54] السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص: 271.
[55] السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص: 273.
 السيرة النبوية للدكتور علي محمد صلابي ص: 296.[56]
 سيرة إبن هشام ج:2، ص:38.[57]
[58] السيرة النبوية للدكتور علي محمد صلابي ص: 300.

0 comments:

إرسال تعليق