الثلاثاء، 7 يناير 2014

العلاقة الدبلوماسية في السيرة النبوية ـ العلاقة الدبلوماسية في المدينة


العلاقة الدبلوماسية في المدينة
بقلم: محمد علي الوافي ـ الباحث/ مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جوهرلال نهروـ نيودلهي
الخطة للهجرة
إنّ الهجرة إلى المدينة سبقها تمهيد، وإعداد، وتخطيط من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد هيّأ النبي صلى الله عليه وسلم مكانا مهاجرا إليه. وذلك بعد أن أجرى النبي صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأوس والخزرج، في بيعتي الأولى والثانية في العقبة. وقد شارك في البيعة من أهل المدينة في المرة الأولى إثنا عشر رجلا. أمّا عددهم في البيعة الثانية، فقد كان بضعة وسبعين، بينهم إمرأتان.
وتكونّت هذه الإتصالات مع قبيلتي الأوس الخزرج، في مواسم الحج، بعد أن فشلت محاولات النبي صلى الله عليه وسلم  في بناء العلاقة مع القبائل لا سيما أهل الطائف. وقد كثر عدد المسلمين في أرض يثرب، بعد أن وجّه النبي صلى الله عليه وسلم خطته للتركيز على يثرب بالذات.
السّفير الأول
كان التطوّر الجديد الذي أثمرته بيعة العقبة قد بعث مصعب بن عمير رضي الله عنه ممثلا شخصيا للرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، يعلّم الناس القرآن الكريم، ومبادىء الإسلام، وإستطاع مصعب بحكمته، وحصافته، وذكائه السياسي أن يحقق إنتصارات كبيرة للإسلام.[1]
إستطاع سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام واحد، أن يمثل بلاده، ودينه قولا وعملا وخلقا وسلوكا، فيرى الناس، ويسمعون من خلاله. وقد هيّأ في المدينة البيئة الصالحة لإنتقال الدعوة والدولة إلى مقرّها الجديد.
هجرة المصطفى
كانت الهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة، أعظم حدث حوّل مجرى التاريخ، وغير مسيرة الحياة ومناهجها التي كانت تحيا بها. لم يعلم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبوبكر الصديق، وآل أبي بكر. أما علي رضي الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخلّف، حتى يؤدي عن رسول الله الودائع، التي كانت عنده للناس، لما يعلم من صدقه وأمانته. وكان الميعاد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، فخرجا من خوخة [2] لأبي بكر في ظهر بيته، وذلك للإمعان في الإستخفاء، حتى لا تتبعهما قريش، ولا تمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد إتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبد الله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال[3].
يثرب إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
" إني أريت دارهجرتكم، ذات نخيل بين لابتين وهما الحرّتان " ونجد في إختيار الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة كعاصمة جديدة لمملكته الإسلامية حيلة سياسية ودبلوماسية إذ إنها مدينة لائقة لممكة صغيرة كما هي الحال للمسلمين في بداية الإسلام، لأنها تمتاز بتحصن طبيعي حربي، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة، فكانت حرّة الوبرة، مطبقة على المدينة من الناحية الغربية، وحرّة واقم، مطبقة على المدينة من الناحية الشرقية، وكانت المنطقة الشمالية من المدينة الناحية الوحيدة المكشوفة، وكانت الجهة الأخرى من أطراف المدينة محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة، لا يمر منها إلا في طرق ضيقة، لا يتفق بها النظام العسكري، وترتيب الصفوف [4].
المركز الدبلوماسي في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم
شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ دخوله المدينة، يسعى لتثبيت دعائم الدولة الجديدة، على قواعد متينة، وأسس راسخة، فكانت أولى خطواته المباركة: الإهتمام ببناء دعائم الأمة، كبناء مركز ديني وإسلامي بالمدينة، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار على الحب في الله، وإصدار الوثيقة أو الدستور الإسلامي في المدينة، الذي ينظم العلاقات بين المسلمين واليهود، ومشركي المدينة.
 إنه من ساعة حلوله بالمدينة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه مهمة الإصلاح والتأسيس والبناء للمجتمع المسلم والدولة الإسلامية، الوارثة لأكبر دولتين عالميتين، وهما دولة الفرس، ودولة الروم[5]. وأول ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة: بناء المسجد الذي تمثّمل فيما بعد كمركز دبلوماسي أو كديوان ملكي للدولة الإسلامية في المدينة.
وصار المسجد ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، والوافدين عليه، طلبا للهداية، رغبة في الإيمان بدعوته وتصديق رسالته. وكذا له دوره البارز في كونه مركزا لبريد الإسلام، منه تصدر الأخبار، ويبرد البريد، وتصدر الرسائل، وفيه تتلقى الأنباء السياسية سلما أو حربا، وفيه تُتلقى وتُقرأ رسائل البشائر بالنصر، ورسائل طلب المدد، وفيه ينعى المستشهدون في معارك الجهاد، ليتأسى بهم المتأسون وليتنافس في الإقتداء بهم المتنافسون [6].
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
كان من أولى خُطواته من سياسة  رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة  التقرير المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وهي خطوة لا تقل أهمية عن الخطوة الأولى في بناء المسجد، لكي يتلاحم المجتمع المسلم ويتآلف كونهم معتصمين بحبل الله جميعا. وقد قوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي في المدينة على ضوء الآية إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون [7] وهذه الخطوة تشير إلى مقدرته الدبلوماسية إذ إن نظام هذه المؤاخاة أسهم في  ربط الأمة بعضها ببعض، لأنه أذاب بهذه المؤاخاة الكاملة  العصبيات الجاهلية التي كانت بينهم، فلا حمية إلا للإسلام، وكذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة، ولا يقوم لها أثر.
دبلوماسيته صلى الله عليه وسلم بين سكان المدينة
لم يوجد الأنماط العصر الحديثي إلا زيّنها النبي صلى الله عليه وسلم منذ قرون، وقد نظم النبي صلى الله عليه وسلم دبلوماسيته بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابا يوضح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، ويحدد الحقوق والواجبات. وقد سميت في المصادر القديمة بالكتاب والصحيفة، وأطلقت الأبحاث الحديثة عليها: لفظ " الدستور" [8].
وقد تضمنت الصحيفة مبادىء عامة، درجت دساتير الدول الحديثة على وضعها وصورتها،  وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوثيقة إلى قيم إنسانية لم تجرب العالم فيما بعد، ومنها " إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر ولأسوة، غير مظلومين ولا متناصرعليهم، وكذا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود حريتهم الكاملة ليدينوا بدينهم. ولكن جعلت الصحيفة الفصل في كل الأمور بالمدينة يعود إلى الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الوثيقة: " وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم "[9].
وبذلك أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة، وفي الوقت نفسه رئيس السلطة القضائية والتنفيذية، والتشريعية، فقد تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلطات الثلاث، بصفته رسول الله صلى الله عليه وسلم  المكلف بتبليغ شرع الله، والمفسر لكلام الله، والسلطة التنفيذية بصفته الرسول الحاكم، ورئيس الدولة، فقد تولى رئاسة الدولة وَفقَ نصوص الصحيفة، وباتفاق الطوائف المختلفة الموجودة في المدينة.
الجهاد في سبيل الله
بعد أن استقر للإسلام مركزه ومستقره في المدينة أخذ الصحابة ينشرون الدعوة الإلهية في أقطار العالم، لأن ذلك دينهم القائم على أعناقهم ما داموا يؤمنون بفردية الأحد الصمد. ومن أهداف الجهاد في سبيل الله تعالى: 1- حماية حرية العقيدة ، 2- حماية الشعائر والعبادات، 3- دفع الفساد عن الأرض، 4- الإبتلاء والتربية والإصلاح، 5- إرهاب الكفار وإخزاؤهم وإذلالهم وتوهين كيدهم، 6- كشف المنافقين، 7- إقامة حكم الله ونظام الإسلام في الأرض، 8- دفع عدوان الكافرين [10]. وقد أهدفت السرايا التي سبقت الجهاد إلى عدة أمور منها 1- بسط هيبة الدولة في الداخل والخارج، 2- كسب بعض القبائل، وتحجيم دور الأعراب، 3-علاقة هذه السرايا بحركة الفتوح الإسلامية.
وإن أولى الغزوات التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء، وتعرف بغزوة ودّان، ولم يقع قتال في هذه الغزوة بل تمّت معاهدة مع بني ضمرة من كنانة، وكان عدد المسلمين مائتين بين راكب وراجل. ومن هنا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهز كل فرصة ليربط علاقاته الدبلوماسية مع من حوله من القبائل.
 وانتهز النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأبواء فرصة ذهبية، فعقد حلفا عسكريا مع شيخ بني ضمرة، لأن كان موقع بلاده ذا قيمة عسكرية. وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بن بكر بن عبد بن مناة ابن كنانة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رماهم، إلا أن يحاربوا في دين الله ما بلّ بحر صوفة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصرة أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله، ولهم النصر على من برّ منهم واتقى"[11]
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم الوثيقة لجهينة ، وقال فيه " إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم، وإن لهم النصر على من ظلمهم أو حاربهم إلا في الدين والأهل، ولأهل باديتهم من بر منهم واتقى ما لحاضرتهم "[12]. ومن هنا نستطيع أن نفهم أن المعاهدات التي قامت بها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي تمهيد قبل أن يحارب كفار مكة الذين هم أصل الكفر في تلك الحين، لأنه عقد المعاهدات بين الدولة الإسلامية والقبائل المجاورة، سابقا على الأعمال العسكرية التي قام بها فيما بعد ضد المشركين في مكة.
غزوة بدر الكبرى
ولمّا استقرت سياسته الداخلية في المدينة، وعلاقته صلى الله عليه وسلم بمن يجاور المدينة من القبائل، أخذ يلاحظ تحركات مشركي مكة، لما علم صلى الله عليه وسلم أن المشركين في مكة يجهدون كل الجهد، لإطفاء نور الله. فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في اليوم الثاني عشر، من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة، فكان قصده حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة، عير قريش من الشام. فلمّا علم أبوسفيان بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم حوّل مسار القافلة، وأرسل ضمضم بن عمرو إلى قريش.
وتقدم جيش القريش إلى ناحية البدر، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ياشاور مع من حوله من المهاجرين والأنصار، وهنا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي العهود والموايثق، لأن واجبات الأنصار مدافعتهم عنه صلى الله عليه وسلم في المدينة فقط، ثمّ نظم النبي صلى الله عليه وسلم جنده بعد أن رأى طاعة الصحابة، وشجاعتهم واجتماعهم على القتال، وعقد اللواء الأبيض وسلّمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوادين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصة.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم  السياسي، حرصه على معرفة جيش العدو، والوقوف على أهدافه ومقاصده، لأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصدّ عدوانه [13]. بعد أن جمع صلى الله عليه وسلم معلومات دقيقة عن قوات قريش، سار مسرعا ومعه أصحابه إلى بدر، واختار معسكرا ذا موقعية إسترتاجية، بعد أن شاور مع الحباب بن منذر رضي الله عنه.وقد إجتهد صلى الله عليه وسلم  كل الجهد لأن ينطلق كل الفريقين بسلام من دون حرب، فلكنهم رفضوا إلا الحرب، فدبر النبي صلى الله عليه وسلم معسكره في ميدان الحرب.
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة[14]، تلاقى فريق التوحيد مع فريق الشرك، ودارت المعركة وشاركت فيها الملائكة، وعلى رأسهم جبريل عليه السلام " فاستجاب لكم أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين "[15] وفلقد انتهت المعركة بنصر حاسم للمسلمين، واستشهد في المعركة من المسلمين أربعة عشر رجلا، إذ قتل من صناديد قريش سبعون وأسر منهم سبعون، فقد عفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل منهم الفداء.
عاقبة من ينقض المواثيق
وكان بنو قينقاع إحدى طوائف اليهود الثلاث في المدينة، ولمّا حل النبي صلى الله عليه وسلم، بالمدينة عاهدهم معاهدة سِلْمٍ وحسن جوار، ولكن نافق كثير من أحبارهم ووالوا المشركين في الخفاء. وقد وقعت المعركة بينه صلى الله عليه وسلم وبين بني قينقاع، بعد أن استهزؤوا مسلمة، فتحصنوا بحصونهم بعد أن قتلوا مسلما، فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة كما ذكر إبن هشام [16] حتى نزلوا من حصونهم، فقيدهم بحبل، ثم جلاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام، ولم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا [17].
غزوة أحد
وفي شوال من السنة الثالثة من الهجرة المباركة، خرجت قريش برجالها ونسائها، وسارت بقيادة أبي سفيان بعد أن فاتته قائدهم الأول في البدر. فلقد أخبر الله بهذا الخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، فخرج في ألف مقاتل حتى وصلوا إلى الشوط بين المدينة وأحد [18]، إنخذل عنهم عبدالله بن أبي بثلث الناس، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه – كانوا سبعمائة رجل بينهم فارسان – ونزلوا بالشعب من أحد.
وبدأ القتال واشتدّ رحاه، حتى ذاق المشركون الهزيمة الكبيرة في بدايته، ولكن رماة المسلمين خالفوا أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم، إذ تركوا مواقعهم وظنّوا أن المعركة قد انتهت. فاستغل خالدبن الوليد هذه الفرصة، وعاد المشركون إلى القتال من جديد، فانتهت المعركة باستشاد سبعين من المسلين. وقد استشهد في يوم أحد كل من حمزة بن عبدالمطلب، ومصعب بن عمير، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن جحش، وغيرهم رضي الله عنهم ورضوا عنه.
بنوالنضير يخالف المواثيق:
أصاب يهود المدينة الخوف والرعب طيلة الفترة التي تفصل بين مقتل كعب بن الأشرف، وبين معركة أحد التي جرت في شوّال، ولكن الهزيمة التي حلت بالمسلمين بأحد أحيت الأمل في نفوس اليهود والمنافقين، وشرعوا في حشد حصونهم بالسلاح، والمكر على المسلمين ودولتهم، ثم صمّموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم والغدر به.
لم تكن مؤامرة بني النضير تستهدف شخص النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت تستهدف كذلك دولة المدينة والدعوة الإسلامية. وقد نقضوا العهود الدبلوماسي، بإيوائهم عدوا للمسلمين، ولم يكتفوا بهذا النقض، بل أرشدوا الأعداء إلى مواطن الضعف في المدينة. ويقول مسى ابن عقبة – صاحب المغازي- "كانت بنو النضير قد دسّوا إلى قريش وحضّوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلّوهم على العورة "[19].
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بنقوضهم العهد، أنذرهم بالجلاء خلال عشرة أيام، وقد أرسل محمد بن مسلمة رضي الله عنه إليهم وقال له:" إذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أن أخرجوا من بلادي، لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم مما هممتم به من الغدر، وقد أجّلت لكم عشرا، فمن رئي بعد منكم ضربت عنقه "[20]. ولم يتم جلاؤهم إلا بالإحصارلمدة خمس عشرة ليلة، فقصد بعضهم خيبروسارآخرون إلى أذرعات شام.
غزوة الأحزاب
يرى علماء السيرة أن سبب غزوة الأحزاب يعود إلى خطط اليهود الذي أخرجوا من ديار المدينة، وكانوا يرسمون الخطط للإنتقام من المسلمين، فاتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين وكوّنوا لهذا الغرض الخبيث وفدا يتكوّن من: سلام ابن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبي عمار [21].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفرالخندق بعد أن علم بمجيء الأحزاب قبل المدينة، وبوضع ذراري المسلين ونسائهم وصبيانهم، في حصن بني حارثة، ليكونوا في مأمن من خطر الأعداء.
وقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الظروف، تحديات كثيرة من قبل يهود بني قريظة، إذ إنهم غدروا العهد والميثاق الذي وقعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستقبل النبي صلى الله عليه وسلم غدر بني قريظة بالثبات والحزم، واستخدم كل الوسائل التي من شأنها أن تقوي روح المؤمنين، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم رجالا تحت قيادة سلمة بن أسلم، وزيد بن حارثة[22] يحرسون المدينة،
استطاع النبي صلى الله عليه وسلم  أن يبث الخذلان في صفوف الأعداء، بمعونة نعيم بن مسعود الغطفاني إذ إنه أعلن إسلامه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، " يارسول الله، إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمُمرني بما شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة "[23]. فقام نعيم بزع الشك بين الأحزاب، فتشتت شمولهم عن الحرب، فقد نجح نعيم بن مسعود الغطفاني في مهمته.
فقد جاءت المعونة من قبل جلّ جلاله، إذ قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا[24]. وقد انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، وانهزم الأعداء وتفرقوا ورجعوا مدحورين بغيظهم، وقد خابت أمانيهم وآمالهم.
وبعد غزوة الأحزاب توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، إذ إن غزوة الأحزاب كشفت حقيقة يهود بني قريظة، من غدرهم ونقضهم المواثيق مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأقساها. وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسا وعشرين ليلة [25] ثم قتلت المقاتلة منهم وسبيت نساؤهم وذراريهم. وبالقضاء على يهود بني قريظة  خلت المدينة تماما من الوجود اليهودي، وصارت خالصة للمسلمين.



[1]السيرة النبوية للدكتورعلي محمد صلابي ص:309.
[2] خوخة: مخترق بين بيتين أو دارين.
[3] السيرة النبوية لإبن كثير 2/234.
[4]  السيرة النبوية للدكتور علي محمد صلابي ص: 330.
[5] هذا الحبيب يا محب لأبي بكر الجابر الجزائري، ص:115.
[6]  السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلّابي، ص: 390.
[7] الحجرات: 10.
[8] السيرة النبوية للدكتورعلي محمد الصلابي ص: 410.
[9] السيرة النبوية للدكتورعلي محمد الصلابي ص: 416.
[10] سيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص:454.
[11]  السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص: 460.
[12]  السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص: 463.
[13]  السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي ص:501.
[14]  هذا الحبيب يا محب لأبي بكر جابر الجزائري ص: 145.
[15]  سورة الأنفال: 9.
[16] سيرة إبن هشام ج:3 ص:55.
[17]  هذا الحبيب يا محب لأبي بكر جابر الجزائري ص: 162.
[18]  الشّوط: إسم بستان بين المدينة و أحد.
[19]  فتح الباري للحافظ إبن حجر العسقلاني 7/332.
[20]  طبقات ابن سعد الكبرى 2/57.
[21]  السيرة النبوية لإبن هشام 3/237.
[22]  السيرة النبوية للدكتورعلي محمد الصلابي ص:723.
[23]  البداية والنهاية لإبن كثير 4/113.
[24]  الأحزاب:9.
[25]  السيرة النبوية للدكتورعلي محمد الصلابي ص:734.

0 comments:

إرسال تعليق