الكف القاتلة!
(من مجلة البيان الكويتية،
العدد:483 ص: 90- 92، أكتوبر 2010م)
بقلم: خالد
خلف(كاتب من الكويت)
هذه قصة أو
حكاية واقعية وقعت أحداثها في عام 1980م في مدينة جنيف السويسرية أنقلها بجذافيرها
كما وقعت دون زيادة أو نقصان.
***
رجل أعمال
عربي... له بعض الأعمال في جنيف... وله أموال طائرة مستثمرة في سويسرا... يذهب
إليها كما عنّ عليه السهر في نواديها، والأكل في مطاعمها الجميلة، والتمتع بمياه
بحيراتها الرائعة. ومع ذلك ظل ذلك الإنسان البدائي الجاهل بالرغم من أنه قضى ست
سنوات يدرس في أمريكا تنقل فيها من جامعة وأخرى، وفي نهاية المطاف اشترى شهادة
جامعية ليقنع أباه وجده أن السنوات التي قضاها في أمريكا، وآلاف الدولارات التي
أرسلت إليه لم تكن بلا فائدة (!).
****
وفي يوم من
أيام صيف عام (1980) دخل صاحبنا إلى مطعم (دي دون) في شارع "وي دون
الشهير" لكي يتغدى... جلس على طاولة قريبة من الشباك المطل على الشارع، فلما
جاءه (النادل) طلب كأس وسكي وصودا، ومرت دقيقة وإذْ بكأس الوسكي يوضع أمامه ومعه
زجاجة صغيرة من الصودا... وبعد أن رص النادل الكأس وزجاجة الصودا، أمره بأن يأتي
له بالثلج قائلا له: (آيس)ICE ، استغرب النادل الطلب، ولكن ما يطلبه الزبون
أمر مطاع ومجاب حتى وإن كان غريبا. ذهب وعاد معه ما عون من "الآيس كريم” ووضعه
أمام السيد، وهنا وقف السيد وقال بالعربية: أطلب آيس ــ وتعني بالعربية ــ ثلجا
ـــ وتأتي لي بالدندرمة... يا حمار (!) ثم رفع يده عاليا وهوى بها على صدغ النادل
الأيسر فأحدث صوتا عاليا سمعه كل من كان بالمطعم ساعة إذن (!)، ورأى مدير المطعم
ذلك الكف الكبيرة وهو يهوي على خد النادل الأنيق محدثا تلك الفرقعة الكبرى، فأسرع
إلى الهاتف ليحادث الشرطة ــ مرت دقائق معدودات فقط وإذ بباب المطعم شرطيان طويلان
بملابسهما الرسمية، يقفان بباب المطعم حتى سدا بجسديهما مدخل المطعم.. ما إن رآهما
مدير المطعم حتى أسرع إليهما وقادهما إلى طاولة السيد وجرى الحديث القصير التالي:-
-
بنجور يا مسيو!
-
بنجور
-
هل ضربت النادل؟
-
أصل أنا طلبت....
-
أجب على سؤالي، هل ضربت النادل؟
-
نعم.... بس أصل القصة...
-
أنا فقط سألت سؤالا واحدا بسيطا... هل ضربته، وأنت أجبت جوابا واضحا..قلت
نعم... إذ تفضل معي...
-
إلى أين؟!
-
قل لي أين تسكن يا سيد...
-
أسكن في فندق الدي دون...
-
إذا تفضل معنا إلى الفندق كي تحاسب الفندق وتأخذ حوائجك!
-
وإلى أين الذهاب بعد ذلك؟
-
إلى المطار، لأنك شخص غير مرغوب فيك، لأنك لم تتحضر بعد... تذهب إلى بلادك
لتتحضر، وبعدها تأتي إلى البلاد المتحضرة مثل سويسرا!
-
ولكن النادل أخطأ في الطلب!
-
خطأ النادل يحل، ولكن جريمتك لا تغتفر!
-
طيب أنا مستعد لإرضاء النادل وتعويضه عما بدر مني!
-
ها هو النادل أمامك راضه كما تشاء، أما حق الدولة....
-
حق الدولة بعد ذلك أنا مستعد لتحمله! ومد يده في جيبه وأخرج ــــ رزمة ــــ
من الفلوس، ومد يده بها للنادل مع اعتذار بالإنجليزية (سوري ) Sorry، فرفض
استلام المبلغ فقال:
-
شكرا سيدي... أنا مساحمك!
وهنا
قال الشرطي الذي يتكلم الإنجليزية.
ها هو النادل
قبل اعتذارك، لنذهب إلى الفندق ثم إلى المطار... هيا بنا يا سيد! وهنا قال العربي
هل أستطيع أن
أحادث سفير بلدي؟
نعم وهذا هو
التليفون، هيا حادث من تشاء حتى لو كان رئيس دولتكم وليس سفيركم فقط.
هالو... أبو
الشباب أرجو الحضور إلي في الفندق حالا.
(عبر الهاتف...
)
لا مهو بخير...
أرجوك احضر حالا!
(عبر الهاتف...
)
شكرا.
وتمر الدقائق
بطيئة وصاحبنا يجمع حاجياته ويضعها في شنطته الفاخرة، ومعه داخل الغرفة أحد
الشرطيين.. وهنا دخل السيد السفير، وبعد السلام سأل الشرطيين عما حدث بالإنجليزية
لأنه لا يجيد الفرنسية فقال له أحدهم:
صاحبنا هذا –
وأشار إلى صاحبه – ضرب نادلا في مطعم كفا لأنه أخطأ في إحضار ما طلبه منه!!!
ليش؟!
والله..
نرفزني...
كنت تشتكيه
لمديره... في هذه البلاد كل شيء يغتفر إلا أن تمد يدك وتضرب أحدا، فهذه كبيرة
الكبائر عندهم، وكل شيء يغتفر إلا مد اليد، وأخذ الأمور بالقوة!
يعني لا أمل
في بقائي؟!
أظن هذا
الشرطي في هذا البلاد يستطيع تنفيذ القانون دون الرجوع إلى محكمة أو قاض، فالقانون
واضح وصريح وعليك الامتثال للأوامر ثم الاعتراض بعد تنفيذ القرار، وهو الإبعاد عن
البلاد.
وقال العربي
موجها الكلام للشرطي الذي يتحدث الإنجليزية:
أنا عندي أكثر
من أربعة ملايين فرنك سويسري مستثمرة في هذه البلاد!.
خذها معك وأنت
تغادر.. إن مليارات الفرنكات تدخل بلدنا كل يوم ولن تتأثر بلدنا برحيل عدة ملايين
يأتي بها رجل متوحش مثلك!.
أنا متوحش؟!
ماذا تسمي
نفسك بفعلتك المشينة؟! أنا سيدي أنفذ القانون ليس إلا... أنت الذي وضعت نفسك في
هذا الموقف الذي لا تحسد عليه... هيا بنا إلى المطار.
****
وصل
الراكب يرافقه السيد السفير إلى المطار، واستعلم أحد الشرطيين عن أول طائرة تغادر
جنيف، وقيل له السويسريه الأولى تغادر بعد
ربع ساعة إلى أوسلو، وهذه أغلقت أبوابها، أما التي تليها فإنها ذاهبة إلى لندن بعد
ساعة...
وهنا
هتف المتهم قائلا.
هذه
تناسبني، فأنا عندي فيزا إلى لندن ولي فيها معارف وأعمال وأموال مستثمرة
***
هم
المتهم لمغادرة مطار جنيف فأوصلاه إلى الطائرة، وقبل أن يغادر قال له الشرطي الذي
يتحدث الإنجليزية:-
أنا آسف يا
سيدي... وثقْ أنني كنت أطبق القانون.. صحيح أنه قاس، ولكن القانون قانون!
شكرا سيدي..
وأنا آسف لما فعلت مخالفا القانون!
وهنا تكلم
الشرطي الآخر قائلا.
بون وفايياج-
أي ( رحلة سعيدة ) فهز رأسه، ورفع يده بالتحية، وركب الطائرة مودعا!!
0 comments:
إرسال تعليق