الخميس، 9 يناير 2014

ملاحظات حول الأدب المقارن وأهمية دراسته


ملاحظات حول الأدب المقارن وأهمية دراسته

     محمد شافعي كي في  (باحث في جامعة جواهرلال نهرو، دلهي)
           
أحب أن أتقدم بخالص الشكر لمنظمي هذه الندوة لاختيارهم الأدب المقارن موضوعا للنقاش لأن هذا الموضوع جديد يستحق البحث حقا. وأعتقد أن هذه الجلسة ستقدم للطلبة عالما جديدا معجبا قلما تعرفوا عليه في حياتهم الأدبية.
            أما الأدب المقارن فهو دراسة أوروبية النشأة والاتجاه وهو فرع  جديد من فروع الأدب أخذت مظاهره تتجلى وتشرق في القرن العشرين وفي نصفه الثاني بشكل خاص. وقد توسع هذا الفرع كثيرا في العقود الأخيرة حتى أصبحت تعاريفه التي قدمها الأدباء والنقاد غير جامعة وغير مانعة. يقول الدكتور طه ندا في تعريف الأدب المقارن "الأدب المقارن  بالاجمال دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب كيف اتصل هذا الأدب بذلك الأدب، وكيف أثر كل منهما في الآخر، ماذا أخذ هذا الأدب وماذا أعطى" ولكن هذا التعريف الذي بني على أساس النظرية الفرنسية النقدية لا يسع لمعان تعطيها النظرية الأمريكية للأدب المقارن.
            وطلوع هذا الفرع الأدبي في العالم العربي يرتبط ارتباطا متينا بالشخصية البارزة الدكتور محمد غنيمي هلال لاصداره كتابا في عام 1953 يحمل عنوانا " الأدب المقارن" ويتناول هذا الأدب علميا ومنهجيا وهو يعد رائد الدراسات الأدبية المقارنة في العالم العربي وقد وسع ثقافته وصقل علومه خلال حياته في الأرض الفرنسية فتأثر بمبادئ المدرسة الفرنسية  في الأدب المقارن. ونجد في الأدب العربي قبل اصدار هذا العمل كتبا بنفس العنوان مثل ما كتب عبد الرازق حميدة والدكتور ابراهيم سلامة بل هي كانت تقوم على اجتهادات فردية لا تستند على أساس علمي منهجي ولا تقوم على ادراك واضح واستيعاب كامل لمفهوم الأدب المقارن ومناهج دراسته. ومن الملاحظات التي يقدمها الدكتور غنيمي أنه لا يندرج تحت بحث هذا الأدب "ما يعقد من مقارنة بين آداب ليست بينها صلة تاريخية بل هو فقط بين الآداب التي فيما بينها علاقات التأثير والتأثر"
             وعلى هذه الملاحظة يمكن القول إن الأدب المقارن هو دراسة تاريخية تستخرج ما سبق تواجده بين الأداب وأعمالها من علاقة ومشابهة وتأثرات وتأثيرات فيبدو لنا الأدب المقارن من هذا المضمار ميدانا أقلَ رَحابة وأضيقَ مِساحة. ثم تناولت المدرسة الأمريكية هذه الظاهرةَ الأدبية وجعلتها نقدية فوسعت ميادينها حيث أدخل فيها أهلها المقارنة بين فنون الأدب وبين الفنون والعلوم الأخرى مثل موسيقى والفلسفة وغضوا أبصارهم عن العناصر الخارجية مثل المؤثرات وأولوا اهتماما بالغا بالعناصر والقيم الداخلية.
            واذا سرنا تَسيارا سريعا في أشياء خلفتها النسخة العربية لهذا الأدب المقارن نلمح أهمية هذا النوع من الأدب وهي في الواقع تفتح لنا بابا جميلا للتعرف - وربما الى حد التعمق – على حقيقة الأدب العربي وفهم موقفه في المستوى العالمي.
              وقد جرت كثيرا بين الأدب العربي والأداب العالمية الأخرى تبادلات أدبية ملحوظة ملموسة فتلقى الأدب العربي منها وأعطاها أيضا كما نجد الأدب الفارسي يتأثر بقافية الأدب العربي وهذا ما نلاحظ في شخصية الشاعر الألماني "جوته" (Goethe) فقد تأثر بكل ما في الشرق من أديان وشعوب وآداب، ويبدو من ديوانه " الديوان الشرقي للمؤلف الغربي " تأثره الشديد بالاسلام والقرآن والأدب العربي والفارسي. أما ما أخذ الأدب العربي من الآداب العالمية الأخرى فهو بكثير، بالرغم من أنه لم يتعرض لتلقي النظريات الأدبية الحديثة الا متأخرا، بحيث لا نجد فنونه تتحرر من عقال قيودها القديمة الا في نهاية القرن التاسع عشر أو في مستهل القرن العشرين.
             ومنذ هذا الحد من الزمان أخذ الأدب العربي يتشكل صورته العصرية وبدأ يتناول موضوعات حديثة ويكتسي ثيابا جديدة ولكن هذه العملية – عملية التغير والتلقي – لم تكن تجري الا ببطء وتأن. وبعد الحرب العالمية الثانية ازدادت العملية سرعة وشدة ووضعت نابها على الأدب العربي بكامله واذا قلبنا صفحات الأدب المقارن نجد الناقد الأديب الكبير طه حسين يبني أساسا لعمله النقدي "في الشعر الجاهلي" بالنظر الى طريقة ديكارت ونجد في خطوط تلك الصفحات مدارس عربية أدبية تطلع وتلمع على أساس ثقافة أصحابها الواسعة وتأثرهم العميق بالآداب الغربية والأجنبية. كما نلمح ذلك في دواوين نازك الملائكة وبدر شاكر السياب من  مدرسة الشعر الحر وفي روايات جبران خليل جبران وأشعار رشيد خوري من مدرسة المهجر وفي النتاج النقدي لعباس محمود العقاد وابراهيم عبد القادر المازني من مدرسة الديوان.
               وبالجملة يساعدنا الأدب المقارن العربي على تلقي المعرفة عن الآداب الأجنبية ومظاهرها الفنية وعلى تقييم الأدب العربي حق التقييم ويوسع ثقافتنا الأدبية واللغوية والعلمية
    وأحب أخيرا أن أقدم مطالبة بسيطة مع احترام وتوقير الى أساتيذنا الكرام بمحاولتهم لإدخال مادة "الأدب المقارن" في مقرراتنا الجامعية لتوسيع الطلبة ثقافتهم بالإستفادة منها.





المصادر والمراجع:
1  د. طه ندا، الأدب المقارن، دار النهضة العربية، 1991
2  د. عبد الحميد ابراهيم، الأدب المقارن من منظور الأدب العربي، دار الشروق، 1997
3  د. عبده عبود، الأدب المقارن مشكلات وآفاق، اتحاد الكتاب العرب، 1999
4  فخري أبو السعود، في الأدب المقارن ومقالات أخرى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997
5 د. محمد غنيمي هلال، دور الأدب المقارن في توجيه دراسات الأدب العربي المعاصر، دار   نهضة مصر،
6  د. محمد غنيمي هلال، دراسات أدبية مقارنة، دار نهضة مصر، 

0 comments:

إرسال تعليق