الثلاثاء، 7 يناير 2014

العلاقة الدبلوماسية في السيرة النبوية ـ العلاقة الدبلوماسية عند العرب الجاهلي


العلاقة الدبلوماسية عند العرب الجاهلي
بقلم: محمد علي الوافي ـ الباحث/ مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جوهرلال نهروـ نيودلهي

أصول العرب
يقول إبن هشام: فالعرب كلّها من ولد إسماعيل عليه السلام  وقحطان. وبعض أهل اليمن يقول: قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام، ويقول: إسماعيل عليه السلام أبوالعرب كلها [1]
قسم المؤرخون والعلماء العربَ إلى ثلاثة أقسام،
1-                العرب البائدة: هم الذي درست أخبارهم وطمست آثارهم، فلم يسجّل التاريخ إلاّ صفحات مشوّهات لا تنفي ظنّا ولاتثبت حقيقة. وأشهر قبائلهم عاد وثمود وطسم وجديس.  (فأمّا ثمود فأهلكوا بالطاغية. وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)[2]. وأمّا طسم وجديس فتفانوا كما يزعمون في حادثة نسائية خرافية [3].
2-                العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يعرب بن يشجب بن قحطان، وتسمّى بالعرب القحطانية، منهم ملوك اليمن، وسبأ وحمير[4].
3-                العرب العدنانية: وهم المعروفون بالعرب المستعربة، وهم ولد إسماعيل عليه السلام، نزل بالحجاز حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ثم صاهر ملوك جرهم، فكان له بنون وأعقاب ضلّوا في مجاهل الزمن فلم يعرف التاريخ منهم على التحقيق إلا عدنان، وإليه ينتهي عمود النسب العربي الصحيح. وأشهر قبائل هذه الطبقة ربيعة ومضر وأنمار وأياد [5]. وهؤلاء هم العرب، موطنهم الأصلي مكة.
الحالة السياسية:
كان سكّان جزيرة العرب ينقسمون إلى بدو وحضر، كان النظام السائد بينهم هو النظام القبلي الجاهلي، حتى  في مملكة الحيرة في الشمال الشرقي، ومملكة الغساسنة في الشمال الغربي. والقبيلة العربية مجموعة من الناس، تربط بينها وحدة الدم ووحدة الجماعة، ومن مثل هذا الجوّ نشأت قوانين سياسية عند العرب. وهذه القوانون العرفي كانت تتمسك به القبيلة في نظامها السياسي والإجتماعي[6].
وكانت كل قبيلة من القبائل العربية لها شخصيتها السياسية، وهي بهذه الشخصية كانت تعقد الأحلاف مع القبائل الأخرى، وبهذه الشخصية أيضا كانت تشنّ الحرب عليها، ولعلّ من أشهر الأحلاف التي عقدت بين القبائل العربية: حلف الفضول  (حلف المطيبين)[7]
الدبلوماسية عند العرب:
لا توجد هذه الكلمة مستعملة في شعر العرب ولا في نثره، لأنها كلمة لم يتجرب بها قطّ،   لكن الأمر المراد من هذه الكلمة موجود عند العرب الجاهلي في معاملاتهم. والعرب لم تكن لهم مدينة إجتماعية ولا حكومة سياسية، ولا أنظمة عسكرية ولا فلسفة دينية. وإنما كان مجتمعهم مجتمع القبيلة والخيمة.  لأن شخصيتهم السياسي، كما أشرت إليه، معتمدة على القبيلة ، الممثلة مع صغرها مملكة متكاملة الجوانب من حيث يوجد فيها سيد القبيلة وأعوانه، والحكام كانوا رؤساء العشائر يملكون بالإرث، ويحكمون بالعرف. وحينما  يموت السيد يختار الناس الذين ينتمون إلي هذه القبيلة سيّدا من بينهم، كما يوجد في المملكات.
والتواريخ العربي يشير إلى أن العرب كان لهم تاريخ دبلوماسي قبل مجيء الإسلام، لقد مارس العرب العمل الدبلوماسي من خلال إقامة العلاقات بأنواعها المختلفة  حيث قاموا ببناء الروابط والتفاعلات مع الدول المجاورة لهم وكذا حافظوا على الروابط المستمرّ بين قبائلهم [8].
 وكانت السفارة في الجاهلية من المناصب التي دانت لقبيلة قريش وبطونها، وكان معناها عندهم أنهم كانوا إذا وقعت بينهم وبين غيرهم من القبائل حرب، وأرادوا المخابرة بشأن الصلح بعثوا سفيرا، وإن نافرهم حي لمفاخرة جعلوا السفير مفاخرا ورضوا به. وفي طليعة السفراء المصلحين في عصر ما قبل الإسلام هرم بن سنان،  والحارث بن عوف الذان توسطا بين قبيلتي عبس ذبيان [9].
ولم تكن للعرب حكومة متكاملة كما كانت للإغريق، ولا ملكية كملكية المصريين والفرس، إلا في الحيرة والشام، وهناك كان للعرب ملوك متوَّجون ولكنهم غير مستقلّين. فالملوك في الحيرة اللخميون يتبعون الأكاسرة ملوك الفرس، والغسانيون في الشام يتبعون في معاملاتهم القياصرة ملوك الروم [10].
العرب كانوا قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم يفاخرون بالقبيلة التي ينتمون إليها، ويتعلقون مع من يجاورون من قبائل شتّى. وكان مكة من حيث رقعة جغرافية مركزا وممرّا للقوافل والتجارة. وكانو هم  الذين يمارسون التجارة من سكان الجزيرة العربية , لأن لهم مركز ممتاز في التجارة، وكانت لهم منزلة عالية ومكانة رفيعة في نفوس العرب لأنهم أهل الحرم. فلذا كانت العرب كلهم يبجّلونهم ويعظّمونهم، ولا يعرضون لهم  ولا لتجارتهم بسوء، بل كلّهم رغبوا لأن يكون لهم من أهل الحرم مجاور وصديق.
وكانت لقريش رحلتان عظيمتان شهريتان: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، يذهبون فيها آمنين، بينما يتخطفون من حولهم، هذا عدا الرحلات التي يقومون بها طوال العام. قال تعالى:  (لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فاليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)[11]
ولقد كان العرب يحترمون القريش ويأتمرون أمورهم وينتهون بنواهيم، لأن لقريش مكانة عظيمة عند العرب وذلك كما يقول إبن إسحاق: فلمّا ردّ الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم من النقمة، أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم وكفاهم مؤنة عدوّهم[12]
وقد عُرف من سفارات الجاهلية سفارة عبد المطلب ابن هاشم، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبرهت، ملك الأحباش، وهو في طريقه إلى مكة غازيا، مفاوضا إياه على رد الإبل التى استولت عليها طلائع جيوش الحبشة.
ووجد منقوشا على "سد مأرب" ما يفيد قدوم سفارات التهنئة على أبرهت من شتى الأمصار، والمماليك سنة 543 ميلادية، إثر انتصاره على الحميرين وتأسيسه أول دول نصرانية باليمن،  وذلك ما يلي:
" وجاءت إليهم سفارة النجاشي  (ملك الحبشة، وسفارة الروم، وسفارة ملك فارس،  ومبعوث المنذر، ملك الحيرة، ومبعوث من قبل الحارث بن جبله، ومبعوث أبي خير بن جبله، جميعهم طلبوا مودتنا بقوة من لدن الرحمن "[13]
ولقد كانت من عادة العرب الضيافة وإحترام الرسول الذي يرسل إليهم من القبائل ومن البلدان، وعدم إيذاءه وإستقباله بأحسن ما يستحقه من الإستقبال والإكرام، وكانوا يرعون حقوق الجيرة،كما كانوا إذا استجار أحد الناس بهم أجاروه، وربما ضحّوا بالنفس والولد والمال في سبيل ذلك[14].
حلف الفضول وأثره في الدبلوماسي العربي
كما أشرت إليه، أن العرب يعظّمون ويبجّلون من يجيء إليهم من غيرهم ولا يعترضون لهم بالإيذاء والظلم، وأنهم يضحّون بالنفس والمال والولد في سبيله. لذا لمّا أتى رجل من زَبيد[15] مكة ببضاعة فاشتراها عاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص بن وائل فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة ونادى بأعلى صوته:
يـا آل فهـر لمظلوم بضاعته
   

ببطن مكة نائي الدار والنفر
 
ومحرم أشعث لم يقض عمرته
 

ياللرجال وبين الحِجر والحَجر
 
إن الحرام لمن تمت كرامته


ولا حرام لثوب الفاجر الغُدر [16]

فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنوهاشم، وزهرة، وبنوتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذوالقعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله، ليكونُنّ يدا واحدة مع المظلوم على الظالم، حتى يردّ إليه حقه ما بلّ بحر صوفة، وما بقي جبلا ثبير وحراء مكانهما [17].
ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه. وسمّت قريش هذا الحلف حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر. وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا


ألا يقيم ببطن مكـة ظالم

أمر عليه تعاقـدوا وتواثقـوا
   

فالجار والمعترّ[18] فيها سالم


وقد حضر نبيّنا صلى الله عليه وسلم هذا الحلف الذي هدموا به صرح الظلم، ورفعوا به منار الحق، وهو يعتبر من مفاخر العرب، وعرفانهم لحقوق الإنسان. وقد قال صلى الله عليه وسلم "شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حُمر النعم، وأني أنكثه " وقال صلى الله عليه وسلم  " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت " [19]
وهذا الحلف أدّى دوره المهم في تكوين العرب يعتبرون ويهتمّون بمن يجاورهم وبمن يجيء إلهم من القبائل المجاورة بهم. وكانوا يجيئون إلى مكة لأداء مناسكهم ولعرض بضائعهم. وإحتفظوا هذا الأمور في معاملاتهم في تجارتهم وفي رحلاتهم في الشتاء والصيف، إلى الشام إلى اليمن.
ومن هنا نستطيع أن نلخص القول، كانت كلمة سفارة وظيفة معروفة في مدينة مكة، إذ كانت تتولى تمثيل القبيلة في شؤون الصلح بعد القتال، أو التفاوض مع سائر القبائل، وكانت هذه الوظيفة لبني عدي، وهم من بطون قريش، وقد تولاها قبل الإسلام عمربن الخطاب رضي الله عنه، وكان من أغراض السفارة أيضا إرسال القبائل الوفود لتقديم التهاني أو التعازي، ومن ثم عرف العرب نظام السفارة بينهم وبين غيرهم من القبائل والأمم والشعوب المجاورة، فاستخدموه في تنظيم العلاقات بعضهم مع بعض، وبينهم وبين غيرهم، وكان من الطبيعي أن تكثر الوفادات والسفارات في تاريخ العرب قبل الإسلام[20].



[1] السيرة النبوية لإبن هشام ص: 28
[2] سورة: الحاقة، الآيتان 5-6.
[3] تاريخ الأدب العربي: احمد حسن الزيات، ص: 10.
[4] نفس المصدر ص: 47
[5]  تاريخ الأدب العربي: أحمد حسن الزيات، ص: 10.
[6]  السيرة النبوية، لأبي شهبة ج: 1 ص: 60.
[7] السيرة النبوية، لأبي شهبة ج: 1 ص: 61
[8]  مقالة: الدبلوماسية ودورها في  إدارة العلاقات الدولية:/ د. هايل عبد المولي طشطوش.
[9]  السفارة الدبلوماسية في الإسلام بقلم الدكتور حسن فتح الباب: مجلة منار الإسلام 1991 يناير 17.ص:19.
[10] تاريخ الأدب العربي: أحمد حسن الزيات، ص: 11.
[11]  سورة قريش 1-4.
[12] السيرة النبوية لإبن هشام ص: 69.
[13] الدبلوماسية في الإسلام بقلم الدكتور حسن فتح الباب: مجلة منار الإسلام 1991 يناير 17.ص:21.
[14]  السيرة النبوية، الدكتور علي محمد الصلاّبي ص: 37
[15] زبيد: بلد باليمن.
[16] الروض الأنف، للسهيلي ج: 1 ص: 155-156.
[17]  ما بلّ..... مكانها: كناية عن التأييد والإستمرار. سيرة النبوية لأبي شهبة ج: 1 ص: 213.
[18] المعترّ: الزائرمن غير البلاد.
[19]  السيرة النبوية لإبن هشام، ج: 1 ص: 134.
[20]  الدبلوماسية في الإسلام بقلم الدكتور حسن فتح الباب: مجلة منار الإسلام 1991 يناير 17.ص:19

0 comments:

إرسال تعليق